قد علمت ما قررناه آنفا أن ما اتفق عليه أئمتنا لا يجوز لمجتهد في مذهبهم أن يعدل عنه برأيه لأن رأيهم أصح واشرت هنا إلى انهم إذا اختلفوا يقدم ما اختاره أبو حنيفة سواء وافقه أحد أصحابه اولا فإن لم يوجد له اختيار قدم ما اختاره يعقوب وهو اسم أبي يوسف أكبر أصحاب الإمام وعادة الإمام محمد انه يذكر أبا يوسف بكنيته إلا إذا ذكر معه أبا حنيفة فإنه يذكره باسمه العلم فيقول يعقوب عن أبي حنيفة وكان ذلك بوصية من أبي يوسف تأدبا مع شيخه أبي حنيفة رحمهم الله تعالى جميعا ورحمنا بهم وادام بهم النفع إلى يوم القيمة وحيث لم يوجد لابى يوسف اختيار قدم قول محمد ابن الحسن اجل أصحاب أبي حنيفة بعد ابي يوسف ثم بعده يقدم قول زفر والحسن ابن زياد فقولهما في رتبة واحدة لكن عبارة النهر ثم بقول الحسن وقيل إذا خالفه أصحابه وانفرد بقول يتخير المفتى وقيل لا يتخير إلا المفتى المجتهد فيختار ما كان دليله اقوى (قال) في الفتاوى السراجية ثم الفتوى على الإطلاق على قول أبي حنيفة ثم قول أبي يوسف ثم قول محمد ثم قول زفر والحسن بن زياد وقيل إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتى بالخيار والاول أصح إذا لم يكن المفتى مجتهدا انتهى ومثله في متن التنوير أول كتاب القضاء (وقال) في آخر كتاب الحاوى القدسي ومتى لم يوجد في المسئلة عن أبي حنيفة رواية يؤخذ بظاهر قول أبي يوسف ثم بظاهر قول محمد ثم بظاهر قول زفر والحسن وغيرهم الأكبر فالاكبر إلى آخر من كان من كبار الاصحاب وقال قبله ومتى كان قول أبي يوسف ومحمد موافق قوله لا يتعدى عنه إلا فيما مست إليه الضرورة وعلم أنه لو كان أبو حنيفة رأى ما رأوا لأفتى به وكذا إذا كان أحدهما معه فإن خالفاه في الظاهر قال بعض المشايخ يأخذ بظاهر قوله وقال بعضهم المفتى مخير بينهما ان شاء افتى بظاهر قوله وإن شاء افتى بظاهر قولهما والاصح أن العبرة لقوة الدليل انتهى (والحاصل) أنه إذا انفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب لم يجز العدول عنه إلا لضرورة وكذا إذا وافقه أحدهما واما إذا انفرد عنهما بجواب وخالفاه فيه فإن انفرد كل منهما بجواب أيضًا بإن لم يتفقا على شيء واحد فالظاهر ترجيح قوله أيضا واما إذا خالفاه واتفقا على جواب واحد حتى صار هو في جانب وهما في جانب فقيل يرجح قوله أيضًا وهذا قول الإمام عبد الله بن المبارك وقيل يتخير المفتى وقول السراجية والاول أصح إذا لم يكن المفتى مجتهدا يفيد اختيار القول الثانى ان كان المفتى مجتهدا ومعنى تخييره أنه ينظر في الدليل فيفتى بما يظهر له ولا يتعين عليه قول الإمام وهذا الذي صححه في الحاوى أيضًا بقوله والاصح أن العبرة لقوة الدليل لأن اعتبار قوة الدليل شأن المفتى المجتهد فصار فيما إذا خالفه