فقد ثبت بما قررناه أن النص الشرعى لا يبطل دلالة اللفظ العرفى ولا يلزم من إبقاء اللفظ العرفى على معناه وجله عليه ابطال النص ولو لزم ذلك للزم بالتصريح به أيضًا كما لو قال بالفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين فانا لا نقول هذا مخالف لحكم النص فنصرفه عن مدلوله ليوافق المنصوص والإلزم ابطال النص إذ لا ابطال فيه قطعا كما لا يخفى على كل أحد وإذا كان الواجب جل الكلام على المتعارف كما قدمناه صار ذلك المطلق وهو قولنا بالفريضة الشرعية مساويا للمقيد بقولنا للذكر مثل حظ الأنثيين وإذا كان ذلك المقيد لو حملناه على معناه الموضوع له لا يلزم منه ابطال النص فكذلك المطلق الذى معناه في العرف معنى ذلك المقيد والا لزم ابطال الدلالة العرفية وحل الالفاظ دائما على المعاني الشرعية وهو خلاف الإجماع وعلى هذا التقرير الذي قلناه لو ذكر الفريضة الشرعية في الهبة دون الوقف كما إذا قال وهبت لابنى وبنتى كذا على الفريضة الشرعية يكون معناه المفاضلة بينهما لأنَّه هو المتعارف في محاورات الناس فيتعين حمله عليه وإن كان الواهب قد ارتكب الكراهة كما إذا صرح بذلك المعنى المتعارف وقال للذكر مثل حظ الانثيين أو لابنى الثلثان ولبنتى الثلث فإنه يتعين ما قال ولا يلزم من ذلك إلغاء النص بمقابلة العرف لانا قد أعملنا النص حيث أثبتنا حكمه حيث أثبتنا حكمه وهو الكراهة وأثبتنا العرف حيث أجرينا لفظه على معناه المتعارف (فإن قلت) قد تقدم أن الأصل في كل شيء الكمال فيتعين جله على التسوية المشروعة (قلت) هذا إنما هو فيما إذا كان اللفظ محتملا لمعنيين فينصرف اللفظ عند الإطلاق إلى الكامل منهما والفريضة الشرعية لا معنى لها عرفا إلا المفاضلة فحملها على التسوية صرف للفظ عن معناه الذي قصده المتكلم فإنه لو قصد التسوية لصرح بها ولم يقل على الفريضة الشرعية وقد سمعت التصريح بأنه يحمل كلام كل عاقد على عادته وإن خالفت لغة العرب أو لغة الشرع نعم لو كان العرف مشتركا بين المعنيين أمكن أن يقال أن كون أحدهما اكمل لموافقته المشروع قرينة على أن المتكلم قد أراده حملا لحال المتكلم على الصلاح فتأمل وتمهل، فإن هذا المقام، من مزالق الاقدام، وما ذكرته هو غاية علمى، ونهاية ما وصل إليه فهمى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والماب.
(فصل) قد علمت مما سبق أن محل النزاع إنما هو فيما إذا وقف في صحته على أولاده وقال على الفريضة الشرعية هل يكون المعنى المفاضلة أو التسوية وهذا يوجد في بعض الأوقاف قليلا أما الكثير الشائع فيها فهو أن الواقف ينشئ وقفه على نفسه مدة حياته ثم من بعده على أولاده وأولادهم وهكذا فإذا قال في هذه