(لأن لا دليل بمنزلة لا رجل في الدار، وهذا لا يحتمل) يعني أن قوله: لا رجل في الدار يدل على نفي الرجل في الدار، وكذلك في نظائره أن قوله:"لادليل" يدل على انتفاء الدليل على ما هو موضوع النفي، فيستحيل أن يدل قوله:"لا دليل" على وجود الدليل؛ إذ لو دل ذلك عليه لدل قوله: لا رجل في الدار على وجود الرجل فيها إذ لا فرق بينهما، وفي ذلك إبطال الحقائق وإبطال الوضع.
فإن قلت: ليس المراد من قلهم: "أن لادليل" حجة للنافي أن يدل قولهم: لا دليل على وجود، بل المراد منه أن النافي لا يحتاج إلى إقامة الدليل على ما أدعاه من النفي، فيثبت النفي بدون إقامة الدليل عليه فلما ثبت ما ادعاه بدون إقامة الدليل عليه كان هو بمنزلة الدليل.
وهذا لأن الدليل إنما يحتاج إليه لإثبات المدعي فلما ثبت مدعاه بهذا القدر سماه دليلا، ثم إنما لا يحتاج النافي إلى إقامة الدليل لكونه متمسكا بالأصل وهو عدم الدليل الموجب أو المانع ووجوب التمسك بالأصل إلى أن يظهر الدليل المغير طريق في الشرع.