قلنا: ليس هذا دليلا على أن المجتهد لا يخطئ؛ لما أن المتحرى للقبلة لا يكلف إصابة حقيقة الكعبة؛ لأن إصابة حقيقة الكعبة لا يمكن إلا بالمشاهدة عيانًا أو بالإخبار جهتها أو يعلم ذلك بالنجوم، وقد انعدمت هذه المعاني في حق من اشتبهت عليه القبلة، ثم لم يبق دليل سوى التحرى، فكان المتحري قبلة له.
ومن صلى متوجها إلى قبلته التي أمر بأن يوجه وجهه إليهما لا يعيد صلاته بعدما صلى كمن صلى متوجهًا إلى الكعبة عيانًا؛ وهذا لأن الأمر باستقبال الكعبة ابتلاء من الله تعالى في حق العباد؛ لأن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ذا جهة وفعل المكلف يقع إلى جهة لا محالة، والكعبة غير مقصودة بعينها.
ألا ترى أن عينها كانت ولم تكن قبلة. أعني حين كان التوجه إلى بيت المقدس، وعند اشتباه القبلة يصير غيرها قبلة على رجاء إصابتها عند الضرورة.