الذين بعث إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في كثرة الشرك وأنواع الفسوق والعصيان، بل حال كثير منهم الآن شر من حال أهل الجاهلية, كما لا يخفى على عاقل نور الله قلبه بنور العلم والإيمان، وقد أطلقت لهم الحرية العنان في كل شيء أرادوه, فلا يهوى أحد منهم شيئًا من المحرمات إلا ارتكبه, ولا صاد له عنه ولا راد، وما أكثر البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام, وهي بهذه الصفة.
وأما البلاد التي فيها أمر ونهي فقد ضعف جانبه فيها, كما ذكرنا, ففي كثير منها تغير منكرات وتترك منكرات آخر ظاهرة لا تغير, وفي بعضها يغير على بعض الناس ويترك بعضهم, فلا يغير عليهم, ولا سيما الرؤساء والأكابر ونحوهم من أرباب الولايات والوظائف الدنيوية. وهذا من أعظم أسباب الضلال والهلاك, ولما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ص, قال:«إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».
وفي رواية للبخاري: إنما ضل من قبلكم، والباقي مثله.
وفي رواية له أخرى: إنما هلك من كانوا قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع, ويتركون على الشريف.
وبالجملة فقد عاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رسما دارسا في هذه الأزمان, والله المسئول أن يعيده على أحسن الوجوه وأفضلها.