للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم عليكم, وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم, فسلبكم الله العز, وألبسكم الذل بذنوبكم, ولله فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها, وأخاف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي, فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاث, فتزودا ما احتجتم إليه, وارتحلوا عن بلدي, ففعلت ذلك.

قلت: وفيما جرى على بني العباس من غلمانهم الأتراك وملوك الديلك والتتار عبرة عظيمة وعظة لمن بعدهم من ملوك المسلمين؛ فإن بني العباس كانوا أقوى سلطانًا, وأكثر أموالا ورجالا, وأوسع ممالك ممن جاء بعدهم من الملوك, وما نفعهم ذلك شيئًا, بل سلبهم الله العز, وألبسهم الذل, وسلط عليهم الأعداء من كل جانب يسومونهم سوء العذاب, ويأخذون ما بأيديهم من المماليك والأموال، وكان خاتمة ذلك زوال الملك والنعمة عنهم على أيدي التتار الكفار الفجار جزاء على تضييعهم لأوامر الله تعالى, وارتكابهم لنواهيه, وتهاونهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والأخذ على أيدي السفهاء والظالمين.

فاعتبروا أيها المسلمون بمن خلا قبلكم من العاصين. واحذروا أن يصيبكم ما أصابهم, فما العقوبات من الظالمين منكم ببعيد.

قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَاتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَاخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَاخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

<<  <   >  >>