وأما المداهنة, فإنها نقص في العقل والدين، وربما كانت سببًا لفتنة القلب وموته , كما تقدم في حديث حذيفة والأثرين عنه وعن ابن مسعود رضي الله عنهما.
وإذا مات القلب فارقه نور الإيمان, وفارقته الغيرة على محارم الله, وصار الحاكم عليه الشيطان والهوى, فلا يعرف معروفًا, ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه, وهذا هو المنافق الذي لا خير فيه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - , وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينًا. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يرغب عنها, وهو بارد القلب، وساكت اللسان شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم, فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلفظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل, وتبذل وجد, واجتهد, واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه, وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله, ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون, وهو موت القلوب؛ فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى, وانتصاره للدين أكمل.