وقال: إن قيل: إلى أين انتهى قدمك في هذه المسألة العظيمة؟ قيل: إلى قوله تعالى {إن ربك فعال لما يريد} وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهـ (١) فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة وأهل النار وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء قال: ثم يفعل لك بعد ذلك ما يشاء. ثم قال: وما ذكرناه في هذه المسألة من صواب فمن الله سبحانه وهو المنان وما كان من خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه)
قلت: وقوله في ابن القيم: (ثم رجع القهقرى وقال ... ) نظر عندي لأنه ليس صريحا في ذلك وغاية ما يمكن أن يؤخذ منه أنه لم يجزم بما دندن حوله من الانتصار للقول بفناء النار ومناقشة أدلة المخالفين ورده عليها مما سترى الرد عليه فيها في الكتاب أن شاء الله تعالى ولكن ذلك لا ينفي ميله إلى ترجيحه إياه وإلا كانت دندنته {كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} وهذا مما لا يليق أن يقال في مثله كما لا يخفى ويؤيد هذا أن خاتمته للبحث في (شفاء العليل) التي أشرت إليها آنفا أقوى في الدلالة على ما ذكرت فإنه قال ما خلاصته (ص ٢٦٤) :
(وأنا في هذه المسألة على قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهـ فإنه ذكر دخول أهل الجنة ... والقول بأن النار وعذابها دائم بدوام الله خبر عن الله بما يفعله فإن لم يكن مطابقا لخبره عن نفسه بذلك وإلا كان قولا عليه بغير علم والنصوص لا تفهم ذلك. والله أعلم)
قلت: فقوله: (والنصوص لا تفهم ذلك) صريح منه بأنه لا يختار القول ببقاء النار فهو إذن يميل إلى القول بفنائها غير أنه لا يقطع بذلك لأنه يشعر أنه ليس لديه دليل قاطع فيه وإنما هو فهمه واستنباطه ولذلك ترك فيها مجالا
(١) الأصل: كرم الله تعالى وجهه. والتصويب من (حادي الأرواح) (٢ / ٢٢٨) وقد ذكر ابن القيم نحو هذه الخاتمة وأطول في (شفاء العليل) (ص ٢٦٤)