وتبكي بَعْدَ نَأْيِهمُ اشْتِيَاقًا ... وتسألُ في المنازِلِ أينَ سَارُوا
تركتَ سؤالَهم وَهُمُ حُضُورٌ ... وتَرْجُو أن تُخَبِّرَكَ الدِّيارُ
يا شهرَ رمضان ترفَّقْ، دموعُ المحبِّين تَدَفَّقْ، قلوبُهم مِن ألم الفِراق تَشَقَّقْ، عَسى وقفةٌ للوداع تُطفئ من نار الشَّوْق ما أحْرَقْ، عسى ساعةُ توبةٍ وإقْلاعٍ ترفو من الصِّيام كُلَّ ما تَخَرَّقْ، عَسَى مُنْقَطِعٌ عن رَكْبِ المقْبولين يَلحَق، عسى أسيرُ الأَوْزار يُطْلَقْ، عَسَى من اسْتَوْجَبَ النَّار يُعْتَقْ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يوفَّق" (١). انتهى كلامه ملخصًا.
الوَجْهُ الثالث: ما ذكره ذلك الفاضل أيضًا: أنَّ الأركان الخمسة الإِسلامية مُتَساوية الأقْدام، ولا دليلَ على تخصيص الحُزنِ بذهاب رمضان، ولم يَرِد به الشَّرع، ولو كان هذا بالقياس، يلزمُ أن يُظهر مثل هذا الحزن والألم بعد كلِّ ركنٍ من الصَّلاة والحج والزكاة، ولا قائلَ به.
وفيه: أنَّ الزكاة ليس لأدائها وقت مُعيَّن شرعًا, ولا يمكنُ أداؤها في وقتٍ واحدٍ جمعًا؛ لاختلافِ النَّاس في أزمنةِ مِلْك النِّصَاب، وتفاوتهم في شروط الإِيجاب، وليست لأوقاتِ أدائها بركة معهودة شرعًا ولا عُرفًا، فلا يمكن الحزنُ وإظهارُه عند ذلك، ولا يُتصوَّر التحسُّر من ذهاب شيءٍ فيما هنالك، بخلاف صيام رمضان، فإنَّ له وقتًا معلومًا بالنسبة إلى جميع المكلَّفينَ، وله بَرَكَةٌ عظيمةٌ، ومَنْقَبَةٌ جَسيمةٌ للعالَمين، فذهابُه حَسْرَةٌ عظيمةٌ، كيف لا وإدْراكُ رمضان آخر بسببِ امتداد الزمان أمرٌ موهوم، بخلاف الصَّلاة، فإنَّ جميعَ أوقاتِها ليست في عمومِ المغفرةِ مثل تلك الأيَّام، وإدْراك وقتٍ آخر للصلاة أمرٌ غير موهوم.