وأما أوقات الحج فهي وإن كانت متبرَّكة، لكن هذه العبادة ليست شاملةً في وقت واحد لجميع المكلَّفين، بل خاصٌّ بأهلِ مكة ومَنْ فيها من الآفاقيين.
وبالجملة: فالفرقُ بين ذهاب رمضان، وبين ذهاب أوقاتِ الصَّلاة والحج والزَّكاة ظاهرٌ غيرُ خَفِي على الماهر، فلا يلزم من عدم وقوع التحسُّر بذهابها عدم وقوع التحسُّر بذهاب هذا الشهر.
وأما الفرقة الثانية: فقد بالغت في تَجْويز خُطبة الوداع، والتزمَتْهُ، وقاسَتْه على خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخرِ شعبان، المُشْتَمِلَةِ على بِشَارة مجيء شهر رمضان على مَا مَرَّ من روايةِ سلمان.
وفيه: أن جواز بِشَارة شيء، وإظهار السُّرور بقُربه لا يستلزم إظهارَ التحسُّر بذهابه.
والإِنصاف: أنَّ قراءةَ خُطْبةِ الوداع إذا كانت مشتملةً على معاني صحيحة، وألفاظٍ لطيفة لم يدل دليلٌ على منعها, وليس فيها ابْتداع وضلالة في نفسها, لكن الأَوْلى هو الاتِّباع لطريقةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه، فإنَّ الخيرَ كلَّه في الاتباع به، لا سيَّما إذا وُجِدَ التزام ما لم يلزم، وظُنَّ ما ليس من الشَّرع من الشَّرع، وما ليس بسُنَّةٍ من السُّنَّة، وقد تقرَّر في مقرِّه أنَّ كل مُبَاحٍ أدَّى إلى التزام غير مشروع، وإلى إفسادِ عقائدِ الجَهَلة وَجَبَ تركُه على الكَمَلة.
فالواجبُ على العلماء ألَّا يلتزموا على قراءةِ مثل هذه الخُطبة؛ لكونه مؤدِّيًا إلى اعتقاد السُنِيَّة، وقد وَقَع ذلك من العوام؛ حيث اهتمُّوا بمثل هذه الخطبة غايةَ الاهتمام، وظنُّوها من السُّنن المأثورة، حتى إنَّ من يتركها