لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
فالكيس من اقتص من جوده لحفظ وجوده وأفرغ من اهتمامه وقيامه في استحصال مصلحته وقوامه فكما لا يليق به الاشتغال عن نفسه والاقتصار على فائدة غيره فكذلك لا ينبغي له أيضا الاقتصار على صالحة نفسه والاعتراض عما باشر من أحوال غيره فإنهما فرضان متغايران لا ينوب أحدهما عن الآخر صدع بوجوبه الكتاب والسنة كما قدمنا نصوص أدلته في الباب الأول. فمن لم يفعل ذلك على حقيقته وأتى الأمر فيه من غير بابه وطريقته استحق الرمي بمهام الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر وليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم فأي أمر أكبر شرا وأعظم مصابا مما تتعدى إلى الغير تبعته وتتجاوز الفاعل عقوبته كما قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه. وكما روي: أن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. فكل شخص لزمه خطاب التكليف لا يسعه في الأمرين شيء ما في التسويف وذلك استقامة في نفسه والضرب على يد غيره بالتغيير فأيهما امتثل أمر الله فيه سقط إثمه وأثيب على فعله وإن تركهما كليهما فقد تعاظم عليه الوزر وتضاعف الفساد والشر فلا ينبغي لمن ترك أحد الجانبين وعليه شيطانه على إهماله أن ينسى حق الله وخطاب أمره في الجانب الآخر فيكون من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أعاذنا الله من شدد البلاء بحصول الأمل.
قال مالك: في جامع المستخرجة: أنهم يحسنون صنعا أعاذنا الله من شديد البلاء بحصول الأمل.
قال مالك في جامع المستخرجة: كان يقال من أشد البلاء الإملاء في المعاصي.
قال ابن رشد رحه: وهذا بين يشهد له قول الله عز وجل {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} ولا شيء في الإملاء أكبر من كون الإنسان يفعل المعصية في نفسه ولا ينكرها على غيره.
واختلف أيضًا: هل من شرط مغير المنكر أن يكون مأذونًا من الإمام أو أحد من الحكام فرآه بعضهم ومنع آحاد الناس من ذلك ومنعه آخرون. وذلك الصحيح المشهور الذي عليه الكافة والجمهور لوضوح فساد الأول بمصادقة عموم أي القرآن وصحيح الآثار قال الله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ .... }.
وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكرًا فليغيره: إلا أنه يتأكد على الإمام الأعظم جعل الله نصره بالتأييد على إقامة الحق داعيا وبأعباء معالم الشرع في كل