للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ممن واقع خطيئةً وأفحش مما لابس فلزم فيه حكم قوله صلعم: من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحة وجهه تقم عليه كتاب الله. فدل أمره عليه السلام بالاستخفاء والاستتار. على أن التظاهر بالفجور والتجاهر بالمعاصي معصية أخرى ودل قوله "من يبد لنا صفحة وجهه تقم عليه كتاب الله" أنه لا ينبغي تركه عن إقامة الحد أو العقاب لما لابس من الانتهاك والاستظهار بمسالك الارتياب من عدم المبالاة بوعيد الخطاب. فيخشى أن يكون تركه رضى بأفعاله واستهانةً بما غضب له ربنا في كثير من آي قرآنه وتنزيله فيكون التارك شريكًا في الإثم وتنزل منزلته في الفعل لأن الرضى فعل وقد قال صلعم: فإذا عملوا النمكر جهارًا استحقوا العقوبة كلهم.

من حضر مواضع المجان والفساد

ثم اعلم أن من حضر مواطن المجان ومواضع الشراب والفساق ولم يفعل فعلهم لا يسلم من العقوبة إن ظهر عليه معهم إذ هو كالآلة لهم. ومن كثر سواد قوم فهو منهم. فقد وقع في سماع أبي زيد من ابن القاسم: وسئل عن الرجل يوجد مع المرأة في بيت واحد وهما يتهمان قال يضربان ضربًا رجيمًا: قيل: أبثيابهما؟ قال: بل على حل ما تضرب الحدود. قال ابن رشد -رحه تع- هذا بين على ما قاله. وكذلك قال مالك في الذي يؤخذ في بيت مع قوم يشربون الخمر وهو لا يشرب إنه يؤدب وإن قال إني صائم. ولا يلتفت إلى قوله فإنه لا غناء بأنه يؤدب وإن ادعى الصيام في قول مالك رضه هل هو إلا نفس ما أعلمناك به.

تنبيه: قال في "تنبيه الحكام" وكل ما تقدم تقريره في أولوية الرفع في شأن المتجاهر وعدمها في شأن المستتر إنما هو فيمن يبلغ أمره للحكام بطريق الثبوت عنده لا سيما فيما لزم فيه حد من حدود الله. فلا يسوغ تركه بوجه ولا يجوز العفو عنه بحال ولو كان الذي واقع ذلك أفضل الناس وأعلاهم قدرًا ولم يرد منه إلا مورد الفلتة والفترة وأعقبه بالتوبة والإنابة. كل ذلك لا ينجيه من إقامة حد الله فيما بعد ثبوته بما لا يدفع له فيه لدى الحاكم إذ الشاهد يفارق الحاكم في ذلك بقوله عليه السلام: من يبد لنا صفحة وجهه نقم عليه كتاب الله. وقوله عليه السلام في أمر المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح "والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" كان ذلك منه عليه السلام تشريعًا لمنح العفو بعد الوصول للإمام فيما وجب فيه حد من حدود الله.

<<  <   >  >>