للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلا يتهم بالسوء إلا في مواضع التهمة أما محل اجتماع الكافة من النساء على تحزن وتفجع عند حفرة من حفر الآخرة فمقطوع بسلامته من الريب ولم يبق إلا مجرد نظر النساء إليه مع كونه لا ينظر إليهن لما قدم به من وصف العمى فقد تقررت إباحته وصحة القول بها.

فإن قلت أليس قد قدمت أن أصالة الحكم في دخول الحمام الإباحة وأين ذلك من قول مالك في العتبية والله ما دخول الحمام بصواب فكيف يغتسل من ذلك الماء هل هذا الصادر من قوله ينفي الإباحة أقل محتملاته الدلالة على الكراهة.

قلت أما أصل الإباحة فلا معارضة فيه إلا بتكلف المباهتة كسائر المباحات التي يربو بها بدن الإنسان وينمو وإنما جاء عارض الكراهة لأوصاف تلازمه، في الغالب ومهما عري عنها بقي على أصله من الإباحة وذلك أمران أحدهما تسخينه بالأقذار والنجاسات والثاني أنه تختلف أيدي الناس فيه لأخذ الماء فقد يكون يتناوله بيده من لا يحتفظ بدينه فينماع فيه شيء مما تعلق بيده من الأذى.

وبذلك تأول في البيان ما وقع في العتبية من الكراهة وجامع القول في تفصيل ما يحل ويحرم وما يكره للرجال والنساء من دخوله فقد أحاط به قولا وتعليلا كلام الشيخ بن رشد في سماع أصبغ من جامع كلامه في فصل يخص ذلك آخر المقدمات في الجامع منها ومثل ذلك في تبصرة اللخمي فمن أراد شفاء غليله طلبه هنالك لما في جلبه إلى هنا من الإطالة التي لسنا بسبيلها في هذا المختصر.

وفي كلامه هنالك مع كلام عز الدين في بعض أجوبته شكل تخالف في بعض الصور وذلك أن ابن رشد قال إن دخول المستتر الحمام عند ابن القاسم مع المستترين مكروه مخافة أن يطلع على عورة أحد بغير ظن إذ لا يكاد يسلم من ذلك من دخله مع عامة الناس وأما دخوله غير مستتر أو مع من لا يستتر فلا يحل ذلك لأن ستر العور فرض ومن فعل ذلك كان جرحة فيه وقدحا في شهادته وظاهر كلام عز الدين أنه إن ستر نفسه فلا حرج عليه من عدم ستر غيره فقد سئل عمن يدخل الحمام فيجلس بمعزل عن الناس إلا أنه يعرف بالعادة أنه يكون معه في الحمام من هو كاشف عورته هل يجوز له حضوره على هذا الحال.

فأجاب بأنه يجوز حضور الحمام فإن قدر على الإنكار أنكر ويكون مأجورًا على إنكاره وإن عجز عن الإنكار كره بقلبه فيكون مأجورا على كراهيته ويحفظ بصره عن العورات ما استطاع ولا يلزمه الإنكار إلا في السوءتين خاصة لأن العلماء اختلفوا في قدر العورة فقال بعضهم

<<  <   >  >>