وأقول زيادة أخرى في شرح كون فعل الحاكم والقاسم مقصودا أنه إنشاء يحدث حكما لم يكن، لأن حكم الحاكم إلزام، ويرفع الخلاف، وقسمة القاسم تميز الحقين، أو تنقلهما، وهذه الأحكام حدثت من فعلهما، من حيث هو فعلهما.
وأما فعل المرضعة فليس بإنشاء، بل فعل محسوس، ولم يترتب عليه حكم الرضاع، من حيث هو فعلها، بل ولا يترتب عليه أصلا، بل على ما بعده، وهو وصول اللبن إلى الجوف، حتى لو وصل بغير ذلك الطريق، حصل المقصود، فبان الفرق بين المرضعة والحاكم والقاسم، والذي يشبه فعل الحاكم والقاسم، تزويج الأب، فإنه إنشاء لعقد النكاح، يترتب عليه الحل، فإذا شهد به، كما قدمناه/ كان كشهادة الحاكم، والقاسم سواء، وكذلك لو أن رجلا وكل وكيلاً في بيع داره ومضت مدة يمكن فيها البيع، ثم عزله، ثم شهد من آخر أنه كان باعها من فلان قبل العزل، ينبغي أن يكون مثل الحاكم، ولم أرها منقولة، وقد ذكر الأصحاب حكم إقراره، ولم أرهم ذكروا حكم شهادته.
وأما قول الشاهد: اشهد أني رأيت الهلال، ففيه شبه بالمرضعة، من جهة أنه أمر محسوس، يترتب عليه حكم، فمن هنا ظن بعض الناس أنه يجري فيه الخلاف الذي في المرضعة، ولو صح ذلك، كان الأصح القبول، كما في المرضعة. لكن ذلك لا يصح، بل الصواب القبول قطعا، وأن الشبه المذكور