للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حدث الاقتراض اللغوي عن طريق الاحتكاك بالشعوب الأخرى: لُغويا وسياسيا وماديّا (١) ، الأمر الذي أدّى إلى دخول كثير من المفردات الأجنبية في اللغة العربية - خاصة الفارسية والسريانية والتركية - (٢) وذلك عن طريق الجوار والمخالطة؛ لأنّ العرب كانوا قبائل عديدة متفرقة، يخالطون جميع الأقوام المجاورين لهم: فتغْلب واليمَن كانوا مجاورين لليونان، وبَكْر للقبْط والفُرس، وعبد القيس وأزْد عُمَان كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفُرس، وأهل اليمن كانوا مختلطين مع الهند والحبشة، وثقيف وأهل الطائف كانوا مخالطين لتجّار اليمن المقيمين عندهم (٣) . وكان من نتائج ذلك الجوار وتلك المخالطة: أن حلّت العربية محل الآرامية والفارسية في العراق، وقهرت العربية كلا من: السريانية واليونانية في الشام. كما حلّت العربية محل القبطية في مصر، ومحل البربريّة في معظم نواحي المغرب (٤) . ولا يعني ذلك: أن اللغة العربية هي صاحبة الاستقلال بالاقتراض اللغوي؛ إذ من المعلوم أنّ اقتراض المفردات يُعتبر حركة طبيعية لأية لغة يُراد لها أن تتطور وتنمو (٥) ، فقد أقرضت اللغة العربية غيرها من اللغات أشياء كثيرة، واقترضت من غيرها أشياء كثيرة كذلك، وهذه أهمّ ملامح اللغات الحيّة الفاعلة (٦) .


(١) فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي: ١٩٣.
(٢) دور أساتذة اللغات الشرقية في قضية التعريب: ٢٤، وعلم اللغة، علي عبد الواحد وافي: ٢٣٩.
(٣) المزهر: ١/٢١٢.
(٤) اللغات يقترض بعضها من بعض: ٦٧.
(٥) دراسات لغوية: القياس في الفصحى - الدخيل في العامية: ٢٩٤.
(٦) عن اللغة والأدب والنقد: ٥٩.

<<  <   >  >>