قال: فلما فرغ من أبياته نظر إليه القاضي شزراً وقال: إن لك في أمر نفسك عذراً، ولكن عليك في أمر الغلام وزراً. فإن رأيت أن تبيعه وتستخدم بثمنه، ولا تبكي على أطلال الربع ودمنه. فليس للمرء ثقهٌ من زمنه. وكان الشيخ قد أغرى بالغلام من حضر، عندما ذكر من صفاته ما ذكر. فقام في المجلس بعض حاضريه، وقال: إن كنت تبيعه فأنا أشتريه. فبكى الشيخ حتى اخضل عارضاه وقال: هل من يبيع روحه برضاه؟ لكني قد سئمت العيش المدير كما سئم لبيد. فضع الفأس، في الرأس، وحيهل بهذه الكأس. فابتدر الرجل صفقة العقد وقفى على أثرها بالنقد. وقال للغلام: هيا، فإن الفرج قد تهيا. فلما نهض به لينطلق أجهش الشيخ بصوتٍ صهصلق. وانعكف على الغلام يودعه، ثم خرج يشيعه. وأنشد:
لا تنسني، يا من له النفس فدى ... فلست أنساك ولو طال المدى