أَن يَأْكُل مِنْهُ قَدْر الْقُوت، كَمَا يُبَاح للمضطَّر أكل الْميتَة، وَفِي مَعْنَاهُ قيل: لَو كَانَت الدُّنْيَا دَمًا عَبِيطاً لَكَانَ قوت الْمُؤمن مِنْهَا حَلَالا، وَمَعَ إِبَاحَته شرعا لَا يَخْلُو عَن إظلامه للقلب فالذكر ينوره بمحو تِلْكَ الظُلْمة كَمَا أَن الدَّوَاء يذهب الأخلاط المتولدة من الْغذَاء المذموم ويقطعها {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] .
١٢٧ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ بِمَا لَفظه: روى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأٌّرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأٌّمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمَا} [الطَّلَاق: ١٢] قَالَ: سبع أَرضين فِي كل أَرض نبيّ كنبيكم وآدَم كآدمكم ونوح كنوحكم وَإِبْرَاهِيم كإبراهيمكم وَعِيسَى كعيساكم ثمَّ صحّح سَنَده إِلَّا أَن أَبَا الضُّحَى تفرد بِهِ عَن ابْن عَبَّاس. وحينئذٍ فَهَل هَؤُلَاءِ إنس أَو غَيرهم متعبد بِمثل مَا شرع لمثله ومقارن لَهُ فِي زَمَنه؟ فَأجَاب بقوله: صَححهُ الْحَاكِم أَيْضا، لَكِن ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب أَنه شَاذ الْمَتْن بالمرة. قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ: وَهَذَا الْكَلَام فِي غَايَة الْحسن فَإِنَّهُ لَا يلْزم من صِحَة الْإِسْنَاد صِحَة الْمَتْن لاحْتِمَال صِحَة الْإِسْنَاد وَيكون فِي الْمَتْن شذوذ أَو عِلّة تمنع صِحَّته، وَإِذا تبين ضعف الحَدِيث أغْنى ذَلِك عَن تَأْوِيله لِأَن مثل هَذَا الْمقَام لَا تقبل فِيهِ الْأَحَادِيث الضعيفة، وَيُمكن أَن يؤول على أَن المُرَاد بهم النّذر الَّذين كَانُوا يبلغون الْجِنّ عَن أَنْبيَاء الْبشر، وَلَا يبعد أَن يُسمى كل مِنْهُم باسم النَّبِي الَّذِي بلغ عَنهُ وَالله أعلم.
١٢٨ - وَسُئِلَ نفع الله بِعُلُومِهِ، بِمَا لَفظه: أصلح الله السَّادة الْأَعْلَام القائمين بشريعة سيد الْأَنَام صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْكِرَام نفعنا الله بهم وبسلفهم، وبمشايخهم على الدَّوَام آمين يَا رب الْعَالمين: مَا الْحِكْمَة فِي خُصُوصِيَّة الشّرف من ذُرِّيَّة سيدنَا عليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا دون سَائِر بَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أجيبونا جَوَابا شافياً مُفِيدا مَبْسُوطا يَسْتَفِيد مِنْهُ البليد، ويتملى مِنْهُ المستفيد، وَلكم على الله جزيل الثَّوَاب وَحسن المآب لَا عدمكم الْمُسلمُونَ، وَمِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا السُّؤَال إِذا ادَّعى مدَّع أَنه من بعض فروع هَذِه الشَّجَرَة، وَأَنه من العَتَرة المطهَّرة، وَلَيْسَت لَهُ قَرَائِن تدل على ذَلِك وَلَا دَلِيل يدل على مَا هُنَالك، وَمعنى الْقَرَائِن الْمَذْكُورَة لُزُوم الْآدَاب المرضِيَّة والأخلاق النَّبَوِيَّة والأعراض الزكية وَالصِّفَات المحمدية والتخلق بِكُل خُلُق حسنٍ، والتحلي بِكُل فعل جميل مدى الزَّمن، والتحببُّ إِلَى جَمِيع الْخلق بِمَا أمكن، فَهَذِهِ الصِّفَات المحمودة فِي جَمِيع العَتْرة الطاهرة مَوْجُودَة فَإِذا لم يُوجد شَيْء من هَذِه الصِّفَات وَمَا ظهر إِلَّا غَيرهَا من العُكُوسات، وَالْوُقُوف مَعَ التُرَّهات، والوقوع فِي أَعْرَاض أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن، والخوض فِيمَا لَا يجوز لكل إِنْسَان، والمُعاندة لكل سالك، والحسد الْمُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى المهالك، وَالسَّعْي بالْكلَام المزور بَين الأحباب فِي الله بِمَا لَا يكون وَلَا يتَصَوَّر، وَغير ذَلِك مِمَّا لَيْسَ يُمكن ذكره وَلَا يحصر، فَهَل يصدق الْمَذْكُور وَهَذِه صِفَاته، أم كَيفَ تتَصَوَّر هَذِه النِّسْبَة، وَقد ظَهرت مخالفاته وَهل تسلم لَهُ هَذِه الدَّعْوَى، وَلم يقم لَهَا سَنَد ضَعِيف وَلَا قوي؟ فبينوا لنا الْجَواب أعانكم الله على الْبر وَالتَّقوى فإنَّ هَذِه الْبلوى فِي هَذَا الزَّمن قد عمَّت قُطْرُ الْيمن، وخبط فِيهَا النَّاس خَبْط عَشْواء، واتَّبعوا فِيهَا الْأَهْوَاء وَلكم من الله الْكَرِيم جزيل ثَوَابه الْعَظِيم وحُسْن مآبه الجسيم، ووابل عطائه العميم إِنَّه جواد كريم غَفُور رَحِيم؟ . فَأجَاب بقوله: الْحِكْمَة فِي ذَلِك وَالله أعلم مَا اخْتصّت بِهِ فَاطِمَة رضوَان الله عَلَيْهَا من المزايا الْكَثِيرَة على أخواتها: مِنْهَا مَا ورد أَن الله زَوجهَا لعَلي كرم الله وَجهه فِي السَّمَاء قبل أَن يَتَزَوَّجهَا فِي الأَرْض. وَمِنْهَا: تمييزها عليهنّ بِأَنَّهَا سيدة نسَاء أهل الْجنَّة. وَمِنْهَا: تمييزها عليهنّ بتسميتها بالزهراء إِمَّا لعدم كَونهَا لَا تحيض من غير عِلَّة فَكَانَت كنساء الْجنَّة، وإمَّا كَونهَا على ألوان نسَاء الْجنَّة أَو لغير ذَلِك، فَهَذِهِ الْمَذْكُورَات وَنَحْوهمَا مِمَّا امتازت بِهِ من الْفَضَائِل لَا يبعد أَن تكون هِيَ الْحِكْمَة فِي بَقَاء نسلها فِي الْعَالم أَمْناً لَهُ من عُمُوم الْفِتَن والمحن، كَمَا أخبر الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك بِأَنَّهُم فِي ذَلِك كالقرآن بقوله: (إِنِّي تَارك فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله وعَتْرتي لن تَضِلُّوا مَا استمسكتم بهما أبدا) وَأما الشّرف الناشىء عَمَّا فيهم من الْبضْعَة الْكَرِيمَة فَلَا يخْتَص بأولاد فَاطِمَة، فقد صرح الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ لَو عَاشَ نسل زَيْنَب من أبي الْعَاصِ، أَو رقية وَأم كُلْثُوم من عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم لَكَانَ لَهما من الشّرف والسيادة مَا لنسل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا. ثمَّ إِذا تقرر ذَلِك فمنْ عُلمتْ نسبته إِلَى آل الْبَيْت النَّبَوِيّ والسر الْعلوِي لَا يُخرجهُ عَن ذَلِك عَظِيم جِنَايَته وَلَا عدم ديانته وصيانته، ومِنْ ثمَّ قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: مَا مِثَال الشريف الزَّانِي أَو الشَّارِب أَو السَّارِق مثلا إِذا أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا كأمير أَو سُلْطَان تلطَّختْ رِجْلَاهُ بقذر فَغسله عَنْهُمَا بَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute