واستدلَّ لَهُ وَألف فِيهِ، وَعين الْجلَال السُّيُوطِيّ النصب وَأطَال فِي ردّ مَا قَالَه شَيْخه الكافيجي وَهُوَ الْحق، لأنَّ أكمل صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره حمداف أكمل لَا لله كَمَا هُوَ بديهي خلافًا لما زَعمه الشَّيْخ.
٢٠٤ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن حَدِيث (كَمَا تَكُونُوا يُولى عَلَيْكُم) المرويُّ هَكَذَا فِي (شعب الْإِيمَان) للبيهقي وَغَيره مَا وَجهه؟ فَأجَاب بقوله: إِنَّه على لُغَة من يحذف النُّون دون ناصب وجازم، وَمثله حَدِيث: (لَا تدْخلُوا الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا) أَو على رَأْي الْكُوفِيّين الَّذين ينصبون بكما، أَو أَنه من تَغْيِير الروَاة لَكِن هَذَا بعيد جدا. ٢٠٥ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا إِعْرَاب حَدِيث مُسلم (وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يسمع بِي أحدٌ من هَذِه الْأمة يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ ثمَّ يَمُوت وَلَا يُؤمن بِالَّذِي أرْسلت بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار) وَنَحْو: مَا جَاءَنِي زيد إِلَّا أكرمته. فَأجَاب بقوله: قَالَ فِي (التسهيل) : فِي تَقْرِير هَذِه الْقَاعِدَة الَّتِي من أفرادها هَذَا الحَدِيث ويليها أَي إِلَّا فِي النَّفْي فعل الْمُضَارع بِلَا شَرط وماض مَسْبُوق بِفعل أَو مقرون بقد، وَمثل فِي (شرح التسهيل) للْأولِ بِمثل مَا كَانَ زيدٌ إِلَّا يفعل كَذَا وَمَا زيد إِلَّا يفعل كَذَا وَللثَّانِي {مَا} [الْأَنْعَام: ٥] وَالثَّالِث بقول الشَّاعِر: وَمَا المَجْدُ إِلَّا قد تبين أَنه نِدَاء وَحكم لَا يزَال مؤثِلا قَالَ: وأغْنَى اقتران الْمَاضِي بقد عَن تقدم فعل، لِأَن قَدْ تقرِّبه من الْحَال فَيكون بذلك شَبِيها بالمضارع وَلم يشْتَرط فِي الْمُضَارع شَيْء لشبهه بِالِاسْمِ، لِأَن اقترانه بِالنَّفْيِ يَجْعَل الْكَلَام بِمَعْنى كلما كَانَ، فَكَانَ فِيهِ فعلان كَمَا كَانَ مَعَ كلما؛ فَلَو قلت مَا زيد إِلَّا قَامَ لم يجز، لِأَنَّهُ مِمَّا ذكر والمستثنى لَا يكون إِلَّا اسْما أَو مؤوّلاً بِالِاسْمِ، والماضي المجرّد مِنْ قَدْ بعيد من شَبَه الِاسْم، وأنشُدك بِاللَّه إِلَّا فَعلْتَ فِي معنى النَّفْي كَقَوْلِهِم: شرّ أهر ذَا نَاب: أَي مَا أَسأَلك إِلَّا فعلك انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا الخ} إِن الْجُمْلَة حَال من ضمير الْمَفْعُول فِي (يَأْتِيهم) وَهِي حَال مقدرَة وَيجوز أَن تكون صفة لرَسُول على اللَّفْظ أَو الْموضع انْتهى. فَعلم مِنْهُ تَخْرِيج الحَدِيث على الْوَجْهَيْنِ والأرجح الحالية لِأَن وُقُوع مَا بعد إِلَّا وَصفا لما قبلهَا وَجه ضَعِيف بل لَا يعرف لِبصْري وَلَا كُوفِي، فإنَّ الزَّمَخْشَرِيّ تفرد بذلك، وإنّ مَا أوهم ذَلِك مَحْمُول على الْحَال، وَأَبُو الْبَقَاء تَابع للزمخشري. وَأَيْضًا فالحالية تطرَّد فِي جَمِيع الْأَمْثِلَة، وَالْوَصْف يخْتَص بِمَا إِذا كَانَ الِاسْم السَّابِق نكرَة كالحديث؛ أما نَحْو مَا جَاءَنِي زيد إِلَّا أكرمته فَلَا يُمكن فِيهِ الوصفية فترجَّحَتْ الحالية وَأَنَّهَا مقدرَة كَمَا صرح بِهِ أَبُو الْبَقَاء، وَمَا أوردهُ السَّائِل على ذَلِك من عدم الْمُلَازمَة وَجَوَاز تخلف مُتَعَلق الْإِرَادَة الْحَادِثَة عَنْهَا لَا يقْدَح فِي التَّخْرِيج إذْ لَو صحَّ ذَلِك لم يكن يَصح لنا حَال مقدرَة، وَالْقَوَاعِد الْعَقْلِيَّة لَا تُؤثر فِي الْقَوَاعِد النحوية. على أَن التَّرْتِيب الَّذِي فِي الحَدِيث شرعيّ لَا عاديّ، وَالَّذِي فِيمَا جَاءَنِي زيد إِلَّا أكرمته عادي، وَمثل ذَلِك تُكْتفي بِهِ الْحَال المقدَّرة على أَن مَا ذكره فِي وَجه التَّرْتِيب تَفْسِير معنى، وَمَا ذكره فِي تَقْرِير الْحَال تَفْسِير إِعْرَاب، وهم يفرقون بَين تَفْسِير الْمَعْنى وَتَفْسِير الْإِعْرَاب، وَلَا يلتزمون توافقهما، كَمَا وَقع ذَلِك كثيرا لسيبويه رَضِي الله عَنهُ والزمخشري وَغَيرهمَا، ثمَّ الْجُمْلَة فِي الحَدِيث لَيست مُسْتَقلَّة حَتَّى يُقَال هَل يرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَى كل مِنْهَا أَو إِلَى بَعْضهَا بل جملَة ثمَّ يَمُوت وَلَا يُؤمن مرتبطة بِالْجُمْلَةِ الأولى قيد فِيهَا، وثُمَّ وَاقعَة موقع الْفَاء فَإِنَّهَا لمُجَرّد الرَّبْط لَا للتراخي.
٢٠٦ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا وَجه النّصْف فِي (سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ زنة عَرْشه) الخ؟ . فَأجَاب بقوله: نصبها بِتَقْدِير ظرف: أَي قدر زنة عَرْشه كَمَا بَينه الْخطابِيّ وَغَيره وَكَذَا الْبَوَاقِي، وَمعنى قَوْله: (ومداد كَلِمَاته) قدر مَا يوازنها فِي الْعدَد وَالْكَثْرَة، وَعبارَة النِّهَايَة أَي مثل عدد كَلِمَاته، وَقيل قدر مَا يوازنها فِي الْكَثْرَة عددا أَو وزنا وَهَذَا التمثل يُرَاد بِهِ التَّقْرِيب انْتهى أَشَارَ بِمثل إِلَى الْمصدر أَو الْوَصْف، وَبِقَوْلِهِ وَقيل قدر إِلَى الظّرْف، وَمعنى قدَر رضَا نَفسه: أَي قدر مَا يرضيه من قَائِله فَلَمَّا حذف الظّرْف قَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فِي إعرابه، وَقد صرح الْأَئِمَّة بِأَن قَدْر ومِثْل ومِقْدار تُنْصب على الظَّرْفِيَّة، وَمن قَالَ إِنَّهَا مَنْصُوبَة على الْمصدر: أَي عدد تسبيحه وتحميده بِعَدَد خلقه وَمِقْدَار مَا يُرْضيه عَرْشه ومقداره وَمِقْدَار كَلِمَاته، أَو سبَّحْتُه تسبيحاً يُسَاوِي خَلْقه فِي الْعدَد، وزِنَةَ عَرْشه فِي الثّقل، ومداد كَلِمَاته فِي الْمِقْدَار، وَيُوجب رضَا نَفسه، فقد أبعد كَمَا بَينه الْجلَال السُّيُوطِيّ، لِأَنَّهُ غير مصدر للتسبيح بل الْفِعْل من الزنة: أَي سُبْحَانَ الله أزنه زنة عَرْشه وَهُوَ فَاسد إِذْ لَيْسَ المُرَاد إنْشَاء وزن التَّسْبِيح بل إنْشَاء قَوْله: أَي أَقُول سُبْحَانَ الله قولا كثيرا مِقْدَار زنة عَرْشه فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute