للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

معرفَة وَلَو كَانَ مُسَمَّاهُ كلياً لَكَانَ نكرَة، وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ كلياً كَانَ دَالا على مَنْ هُوَ أعمُّ من الشَّخْص الْمعِين. وَالْقَاعِدَة الْعَقْلِيَّة أَن الدَّال على الأعمَّ غَيْرُ الدَّال على لأخص فَيلْزم أَنه لَا يدل الْمُضمر على شخص خَاص أَلْبَتَّة وَلَيْسَ كَذَلِك وَهَذَا معنى قَول السَّائِل. فَإِن قيل بِالْأولِ ورد الخ. ثمَّ قَالَ الْقَرَافِيّ: وَذهب الأقلُّون وَهُوَ الَّذِي أَجْزم بِصِحَّتِهِ إِلَى أنَّ مسمَّاه كليَّ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو كَانَ مُسَمَّاهُ جزئياً لَا يصدق على شخص آخر كالأعلام، فَإِنَّهُ لما كَانَ مسمَّاها جزئئاً لم تصدق على غير مَنْ وُضِعتْ لَهُ إِلَّا بِوَضْع ثَان، فَإِذا قَالَ قَائِل أَنا، فَإِن كَانَ اللَّفْظ مَوْضُوعا بِإِزَاءِ خصوصيته من حَيْثُ هُوَ هُوَ وخصوصه لَيْسَ مَوْجُودا فِي غَيره فَيلْزم أَنه لَا يصدق على غَيره إِلَّا بِوَضْع آخر، وَإِن كَانَ مَوْضُوعا لمَفْهُوم الْمُتَكَلّم بهَا وَهُوَ قَدَر مُشْتَرك بَينه وَبَين غَيره والمشترك كلي فَيكون لفظ أَنا حَقِيقَة فِي كل مَنْ قَالَ أَنا لِأَنَّهُ متكلِّم بِهَذَا الَّذِي هُوَ مُسَمّى اللَّفْظ فينطبق ذَلِك على الْوَاقِع. قَالَ: وَالْجَوَاب عَمَّا احْتج بِهِ الأوّلون أنَّ دلَالَة اللَّفْظ على الشَّخْص الْمعِين لَهَا سببان. أَحدهمَا: وضع اللَّفْظ بِإِزَاءِ خصوصيته فيفهم الشَّخْص الْمَوْضُوع بِإِزَاءِ الْخُصُوص وَهَذَا كالعَلَم، وَالثَّانِي: أَن يوضع اللَّفْظ بِإِزَاءِ معنى عَام، وَيدل الْوَاقِع على أنَّ مسمَّى اللَّفْظ مَحْصُور فِي شخص معِين فَيدل اللَّفْظ عَلَيْهِ لانحصار مُسَمَّاهُ فِيهِ لَا للوضع بإزائه، وَمن ذَلِك المضموات، وضعتْ الْعَرَب لَفْظَة أَنا مثلا لمَفْهُوم الْمُتَكَلّم بهَا، فَإِذا قَالَ الْقَائِل أَنا فُهِمَ هُوَ لِأَن الْوَاقِع أَنه لم يقل هَذِه اللَّفْظَة الْآن إِلَّا هُوَ ففهمناه لانحصار الْمُسَمّى فِيهِ لَا للوضع بإزائه وَكَذَلِكَ بَقِيَّة المضْمرات. قَالَ: وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَن الْقَاعِدَة الْعَقْلِيَّة لِأَن اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى أعمُّ لَا يدل على مَا خو أخصُّ مِنْهُ، فَإِن الدَلالة لم تأت من اللَّفْظ وَإِنَّمَا أَتَت من جِهَة حصر الْوَاقِع الْمُسَمّى فِي ذَلِك الْأَخَص انْتهى كَلَام الْقَرَافِيّ مُلَخصا. وَمَا قَالَه فِي (الْمُضْمرَات) يَأْتِي بِعَيْنِه فِي اسْم الْإِشَارَة. وَجَوَاب الترديد الَّذِي فِي السُّؤَال أَنه لَيْسَ من بَاب الْمُشْتَرك وَلَا من بَاب الْمجَاز، بل من بَاب الْوَضع للقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ غَيرهمَا، فَهَذَا مثلا وُضِع لمشار إِلَيْهِ مُفْرد ذكر خَاص أَو مَا فِي حكمه، وَهُوَ مَفْهُوم كلي وانحصاره فِي خَاص لَيْسَ للوضع بإزائه، بل لِأَن الْمُتَكَلّم لم يُشِر بِهِ الْآن إِلَّا لزيد مثلا، وَهَذَا معنى قَول بعض محققِّي النُّحَاة أنّ المضْمَر وَاسم الْإِشَارَة كلي وضْعاً جُزْئي اسْتِعْمَالا، وَنَظِيره قَول بعض الْأُصُولِيِّينَ إِن الْأَمر موضوعٌ للقدر الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب، وَهُوَ الطّلب حذرا من الْمجَاز والاشتراك، لِأَن الْوَضع حينئذٍ لَيْسَ لكل مِنْهُمَا وَلَا لأَحَدهمَا لاحْتِمَال أنْ يُستعمل فِي غَيره وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى صَادِق على كل مِنْهُمَا وَهُوَ الطّلب، وَهَكَذَا يُقَال فِي اسْم الْإِشَارَة والمضمر لَيْسَ الْوَضع فيهمَا لوَاحِد فَقَط بحيثُ يُستعمل فِي غَيره مجَازًا، وَلَا لكل وَاحِد بِحَيْثُ يكون مُشْتَركا بل لمَفْهُوم صَادِق على كل فَرد، وَهُوَ فِي اسْم الْإِشَارَة مشار إِلَيْهِ مُفْرد ذكر حَاضر، وَفِي المُضْمَر مُفْرد مُتَكَلم أَو غَيره. ٢١٠ وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: فِي الْإِيمَان هَل يَكْفِي فِيهِ التَّصْدِيق الإجمالي أم لَا؟ فَإِن قُلْتُمْ بِالْأولِ فَمَا معنى تفسيرهم وتحديدهم الْإِيمَان الشَّرْعِيّ بِأَن التَّصْدِيق بِمَا علم من دين مُحَمَّد بِالضَّرُورَةِ؟ فَإِذا صَحَّ ذَلِك فَمَا هُوَ الْقدر الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ؟ فَإِن صحَّ أَن هَذَا حَقِيقَة الْإِيمَان فَهَل يضرُّ الْجَهْل بِهِ أَو بِبَعْضِه ويختل الْإِيمَان لِأَن الْمَاهِيّة تختل باختلال جُزْء مِنْهَا وَهَذَا مُشكل، وَالْمرَاد بالسؤال عَن هَذَا مَا يخلص الْإِنْسَان فِيمَا بَينه وَبَين الله كَمَا قَالَ (وحسابهم على الله) لَا بِحَسب الْغَيْر لِأَن دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ وتكفيرهم مَعْصُوم بِالشَّهَادَتَيْنِ، بينوا لنا بَيَانا شافياً وَاضحا لِأَن الله جعلكُمْ رَحْمَة للْعَالمين؟ . فَأجَاب بقوله: فِي حَقِيقَته الْإِيمَان مَذَاهِب ثَمَانِيَة ذكرهَا صَاحب (المواقف) وَتَبعهُ شارحها فَقَالَا: هُوَ عندنَا يَعْنِي أَتبَاع الشَّيْخ أبي الْحسن، وَعَلِيهِ أَكثر الْأَئِمَّة كَالْقَاضِي والأستاذ التَّصْدِيق للرسول فِيمَا عُلِمَ مجيئهُ بِهِ ضَرُورَة تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِم تَفْصِيلًا وإجمالاً فِيمَا عُلِم إِجْمَالا، ثمَّ حكيا عَن قوم أَنه الْمعرفَة بِاللَّه فَقَط وَعَن آخَرين أَنه الْمعرفَة بِاللَّه وَمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل إِجْمَالا. وَعَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه التَّصْدِيق مَعَ كلمتي الشَّهَادَة، وَعَن السّلف أَي بَعضهم والمحدّثين كلهم أَنه مَجْمُوع التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان، وَمعنى قَوْله تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِم تَفْصِيلًا، وإجمالاً فِيمَا علم إِجْمَالا، أَن الْوَاجِب أَولا وبالذات هُوَ التَّصْدِيق الإجمالي وَإِذا وجد اكْتفى بِهِ فِي الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة والأخروية إِن مَاتَ عقب ذَلِك التَّصْدِيق وقَبْلَ عِلْمِهِ بِشَيْء من التفاصيل الْآتِيَة. وَأما إِذا لم يمت فَإنَّا نُخاطبه ونُكلفِّه بالتصديق بِتِلْكَ

<<  <   >  >>