للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

للناقلين وهم الْمُسلمُونَ أجمع كفر لسريانه إِلَى إبِْطَال الشَّرِيعَة، وَمثله إِنْكَار مَكَّة والكعبة لاستلزامه ترك الْحَج وَوُجُوب الِاسْتِقْبَال وَغَيرهمَا من الشَّرَائِع الْمُتَعَلّقَة بذلك. وَقَول السَّائِل: فَإِن صَحَّ أَن هَذَا حَقِيقَة الْإِيمَان إِلَخ؟ جَوَابه: مَا عُلِم مِمَّا مر أَن التَّصْدِيق بالمعلوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ لَا يشْتَرط التَّصْدِيق بِهِ أَو بِبَعْضِه تَفْصِيلًا، إِلَّا مِمَّن عَلِمَه تَفْصِيلًا بِأَن تَوَاتر عِنْده فَلَا بدَّ من التَّصْدِيق بِهِ وَإِلَّا كَانَ كَافِرًا، وَأما من لم يتواتر شَيْء مِنْهُ فيكفيه التَّصْدِيق الإجمالي لما عَلِمْتَ من أنَّ إِنْكَاره قبل التَّوَاتُر غير كفر، وَبِهَذَا علم الْجَواب عَن بَقِيَّة السُّؤَال. ثمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ فِي (فَتَاوِيهِ) ذكر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كلَاما حسنا مؤيداً لما قَدمته فَأَحْبَبْت ذكر حَاصله وَإِن كَانَ فِيهِ بعض طول، فَإِنَّهُ لما نقل الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسَل إِلَى الْجِنّ وَأَن ذَلِك أَمر مَقْطُوع بِهِ قَالَ: وَأما وجوب الْإِيمَان بذلك فَصَحِيح بِمَعْنى تَصْدِيق مَا دلّ عَلَيْهِ من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع بعد الْإِحَاطَة بهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه يجب، وَيشْتَرط فِي الْإِيمَان اعْتِقَاد ذَلِك وَلَا يكون مُؤمنا إِلَّا بِهِ حَتَّى يلْزم تَحْصِيل سَببه، فإنَّ الْعَاميّ لَو أَقَامَ دَهْرَه لَا يعْتَقد ذَلِك وَلم يخْطر بِبَالِهِ وَلَا عرف شَيْئا من الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَيْهِ غير أَنه يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله كَانَ مُؤمنا وَلَيْسَ بعاص بِتَأْخِيرِهِ تعلمه لذَلِك أَو تَرْكه إِذا قَامَ غَيره بِهِ، وَقَول من قَالَ من الْمُحَقِّقين بِوُجُوب الْإِيمَان بذلك مَحْمُول على مَا قُلْنَاهُ، فَإِن الشَّرِيعَة كلهَا وَجَمِيع مَا ورد فِيهَا يجب الْإِيمَان بِهِ إِجْمَالا، وَأما تَفْصِيلًا فَمِنْهُ مَا يجب على كل أحد وَهُوَ مَا يعم جَمِيع الْمُكَلّفين كَالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِك فَلَا يجب إِلَّا على من احْتَاجَ إِلَيْهِ أَو من عُلِم بدليله، وَمَا نَحن فِيهِ من هَذَا الْقسم، ثمَّ قَالَ بعد كَلَام طَوِيل: النَّاس على أَقسَام: مِنْهُم عَامي لم تخطر بِبَالِهِ هَذِه الْمَسْأَلَة أَو خطرت بِبَالِهِ وَمَا اعْتقد فِيهَا شَيْئا لجهله فَهَذَا لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يُكَلف بذلك لَكِن يشْتَرط أَن يُطلق شَهَادَته بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَلَا يخصصها، فَمَتَى خصصها فَقَالَ إِلَى الْإِنْس خَاصَّة فيتكلم عَلَيْهِ. وَمِنْهُم عاميّ اعْتقد خلاف الْحق لشُبْهَة أَو تَقْلِيد جَاهِل، فَهَذَا اعْتِقَاده هَذَا خطأ، يلْزمه النُّزُوع عَنهُ وَأَن يَسأل أَو يَبْحثْ ليظْهر لَهُ الصَّوَاب، وَهُوَ بإصراراه على هَذَا الإعتقاد الْخَطَأ عَاص لِأَنَّهُ مِنْ أصُول الدّين الَّذِي لَا يُعْذر بالْخَطَأ فِيهِ، والفقيه إِذا اعْتقد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف الْحق لشُبْهَة أَو تَقْلِيد جَاهِل عَاص أَيْضا كالعاميّ بل هُوَ عاميّ فِيهَا، وَمحل الحكم فيهمَا بالعصيان فَقَط وَصِحَّة الْإِيمَان إِذا أطلقا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِن خصاها فَقَالَا إِلَى الْإِنْس فَقَط فأخشى عَلَيْهِمَا الْكفْر لِأَن الْإِسْلَام الَّذِي بَينه الشَّارِع بِالشَّهَادَةِ الْمُطلقَة.

وَمِنْهُم من اعْتقد التَّعْمِيم فِي ذَلِك من عَامي أَو فَقِيه لَا عَن دَلِيل بل تَقْلِيد مَحْض، فيكفيه ذَلِك وَلَيْسَ بعاص لِأَنَّهُ لم يقم دَلِيل على إِيجَاب الْيَقِين فِي أَمْثَال هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَا هُوَ شَرط فِي الْإِيمَان، فَإِذا لم يكن للشَّخْص عِلْم بأدلة هَذِه الْمَسْأَلَة وَاقْتصر على التَّقْلِيد فِيهَا كَفاهُ، وَلَا فرق بَين أَن يكون اعْتِقَاده على جِهَة التَّقْلِيد جَازِمًا أَو غير جازم، فَإِن التَّقْلِيد لفظ مُشْتَرك بَين الإعتقاد الْجَازِم المطابق لَا لموجب، وَبَين قبُول الْغَيْر بِغَيْر حجَّة سَوَاء كَانَ الْجَزْم بِهِ أم لَا، فَهَذَا الثَّانِي كَاف هُنَا وَلَا يَكْفِي فِيمَا يجب الْإِيمَان بِهِ من الوحدانية وَنَحْوهَا، وَالْأول يَكْفِي لِأَن إِيمَان الْمُقَلّد صَحِيح عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء خلافًا لأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة، وَكثير من النَّاس يَغْلَطون ويعتقدون أَن إِيمَان الْمُقَلّد لَا يَصح، وَقد بيّنت هَذَا فِي فَتْوَى وَقلت: إِن النَّاس ثَلَاث طَبَقَات: (عُلْيا وهم أهل الْمعرفَة وَالِاسْتِدْلَال التفصيلي وهم الْعلمَاء. وَأهل الِاسْتِدْلَال الإجمالي وهم كَثِيرُونَ من الْعَوام فَلَا خلاف فِي صِحَة إِيمَانهم. ووسطي وهم أهل العقيدة المُصَمِّمون على غير ذَلِك، وَلم يقل بتكفيرهم إِلَّا أَبُو هَاشم. ودُنياوهم المقلدون من غير تَصْمِيم، وَلم يقل بِصِحَّة إِيمَانهم إِلَّا شذوذ مِنْهُم من كَانَ غَائِبا وَقد وصلت إِلَيْهِ هَذِه الْأَدِلَّة، وَله تمكَّن من النّظر فِيهَا، فَهَذَا الْمَطْلُوب مِنْهُ الْعلم بهَا وبأدلتها وَيلْزمهُ الْإِيمَان بِهِ قطعا لِعلْمه فَصَارَ بِمَنْزِلَة من سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيلْزمهُ تَصْدِيقه فِيهِ قطعا. وَأما الْإِيمَان الإجمالي فَوَاجِب على كل أحد بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا، ويكتفي بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الْعَالم وَلَا يُكتفى بِهِ فِي حق الْعَالم فَلَا بُدَّ وفَرْضُ ذَلِك عسر، لِأَن الْعَالم مَتى أحَاط علمه بِهَذِهِ الْأَدِلَّة ووجْهَ دلالتها حصل لَهُ الْعلم، وَلَا يُمكن تخلف الْعلم عَنهُ بعد ذَلِك، نعم لَو كَانَ الشَّخْص لَهُ قوّة على النّظر وَتمكن من الْأَدِلَّة وَالْوُقُوف عَلَيْهَا وَالنَّظَر وَلم يفعل بل اقْتصر على مَحْض التَّقْلِيد، فَالَّذِي يظْهر أَنه لَا يَعْصِي بذلك ويكفيه

<<  <   >  >>