للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعلم من كل خلف عدوله) وتكفير من فعل مَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الْكفْر أَو يجر إِلَيْهِ، لِأَن من اشْتغل بِعلم الْكَلَام ومقدماته قبل اشْتِغَاله بِمَعْرِِفَة مَا كلف بِهِ من الْعِبَادَات وَغَيرهَا يجلس مُدَّة ذَلِك وَهُوَ لم يصلِّ وَلم يصم وَلَا حج، وَقد لَا يتم لَهُ تعلم الْكَلَام ومقدماته إِلَّا بعد الزَّمن الطَّوِيل فيَمْرُق من الدّين وَيخرج من جملَة الْمُسلمين، أعاذنا الله من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَلَا نَكَبَ بِنَا عَن الْمنْهَج الْمُسْتَقيم برحمته إِنَّه مُنْعم كريم، وأدام علينا الاستمساك بِمَا جرى عَلَيْهِ السّلف وانتهجه صالحو الْخلف آمين. [فَائِدَة] : زعم بَعضهم أَنه يقرب مِمَّا حكى عَن الْبَعْض الْمَذْكُور فِي السُّؤَال قَول الإِمَام فِي (الْإِرْشَاد) : أول مَا يجب على الْبَالِغ الْعَاقِل باستكماله سنّ الْبلُوغ أَو الْحلم شرعا الْقَصْد إِلَى النّظر الصَّحِيح المُفْضي إِلَى الْعلم بحدوث الْعَالم انْتهى وَلَيْسَ ذَلِك الزَّعْم فِي مَحَله، إذْ مَا قَالَه لَا خلاف فِيهِ فَلم يحصره فِي تعلم القوانين الكلامية الَّتِي الْكَلَام فِيهَا. نعم الَّذِي يقرب من ذَلِك إِنَّمَا هُوَ قَول الباقلاني يلْزم ذكر حُدُوث الْعَالم وأدلة إِثْبَات الْأَعْرَاض وَامْتِنَاع خلوِّ الْجَوَاهِر عَنْهَا وَإِبْطَال حوادث لَا أول لَهَا، وأدلة الْعلم بالصانع وَمَا يجب لَهُ تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَمَا يجوز لَهُ، وأدلة المعجزة وَصِحَّة الرسَالَة، ثمَّ الطّرق الَّتِي وصلنا بهَا إِلَى التَّكْلِيف انْتهى. ولقربه من ذَلِك قيل عَلَيْهِ إِنَّه هفوة من القَاضِي. قَالَ الْمَازرِيّ: أردتْ اتِّباعه فَرَأَيْت فِي نومي كَأَنِّي أخوض بحراً من ظلام، فَقلت هَذِه مزلة الباقلاني. قَالَ الْبُرْزُليّ: سَأَلت شَيخنَا عَن قَول الْمَازرِيّ هَل أَرَادَ الانتقاد عَلَيْهِ أَو الْأَخْذ بِهِ؟ فَقَالَ الأول وَهُوَ يسْتَلْزم الثَّانِي لِأَنَّهُ خَوْضٌ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَيحْتَمل أَن تكون هَذِه وَاجِبَة مَعَ الْإِمْكَان فَلَيْسَتْ بِشَرْط فِي وجوب الْأَحْكَام فَلَا يمْنَع وُجُوبهَا مَعَ فقدها مَا ذكر انْتهى. وَالَّذِي صرح بِهِ أَئِمَّتنَا أَنه يجب على كل أحد وجوبا عَيْنياً أَن يعرف صَحِيح الإعتقاد من فاسده، وَلَا يشْتَرط فِيهِ علمه بقوانين أهل الْكَلَام لِأَن الْمدَار على الإعتقاد الْجَازِم وَلَو بالتقليد على الْأَصَح. وَأما تَعْلِيم الْحجَج الكلامية وَالْقِيَام بهَا للرَّدّ على الْمُخَالفين فَهُوَ فرض كِفَايَة، اللَّهُمَّ إِلَّا إِن وَقعت حَادِثَة وَتوقف دفع الْمُخَالف فِيهَا على تعلُّم مَا يتَعَلَّق بهَا من علم الْكَلَام أَو آلاته فَيجب عينا على من تأهل لذَلِك تعلُّمه للرَّدّ على الْمُخَالفين. فَإِن قلت: كَيفَ هَذَا مَعَ قَول ابْن خويز منداد كُتُب الْكَلَام لَا يجوز تَملكهَا وَالْإِجَارَة فِيهَا بَاطِلَة، وَمَتى وجدت وَجب إتلافها بِالْغسْلِ والحرق، وَمثله كتب الأغاني وَاللَّهْو وَشعر السخفاء من الْمُتَأَخِّرين وَكتب الفلاسفة والعزائم ثمَّ عَدَّى ذَلِك إِلَى كتب اللُّغَة والنحو، وَبَين مَا فيهمَا من خوض أهلهما فيهمَا فِي أُمُور لَا يعلمُونَ صِحَّتهَا. ثمَّ قَالَ: وَكتب الْكَلَام فِيهَا الضَّلَالَة والبدع والإلحاد فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته، وَالْكفْر بِتَأْوِيل الْقُرْآن وتحريفه عَن مَوْضِعه فَلَا يجوز بَقَاؤُهَا فِي ديار الْمُسلمين لِئَلَّا تُضِلَّ الْجَاهِل. فَإِن قيل: بعضُها حق لأنكم لَا بدّ لاحقون بِبَعْض أَقسَام أهل الْكَلَام؟ فَجَوَابه: إِن هَذَا خطأ علينا لأَنا لَا ننسب إِلَى الْكَلَام وَلَا إِلَى أَهله وَنحن مِنْهُم برَاء، وَلَو تشاغل سني بالْكلَام لَكَانَ مبتدعاً، والسُنيِّ هُوَ المنتسب للسلف الصَّالح، وَكلهمْ زَجروا عَن الْخَوْض فِي مثل هَذَا، والخائضون فِي هَذَا من سَائِر أهل الْبدع، وَيَكْفِي فِي الْخُرُوج إِلَى الْبِدْعَة مَسْأَلَة وَاحِدَة فَكيف وَقد أوقروا ظُهُورهمْ وَأَجْمعُوا نُفُوسهم انْتهى كَلَام ابْن خويز منداد. قلت: قَالَ ابْن بَرزَة شَارِح إرشاد إِمَام الْحَرَمَيْنِ: هَذَا النَّقْل عَنهُ بَاطِل، فَإِن صَحَّ عَنهُ فَالْحق حجَّة عَلَيْهِ، وَإِذا تصفحت قَوَاعِد الأشعرية ومذاهبهم (ومباني) أدِلَّتهم وَجدتهَا رَاجِعَة لعلم الْكَلَام بل من أنكر علم التَّوْحِيد أنكر الْقُرْآن وَذَلِكَ عين الكفران والخسران، وَكَيف يرجع لِابْنِ خويز منداد وَيتْرك أقاويل أفاضل الْأمة وعلماء الْملَّة من الصَّحَابَة ومَنْ بعدهمْ كالأشعري والباهلي والقلانسي والمحاسبي وَابْن فورك والإسفرايني والباقلاني وَغَيرهم من أهل السّنة، وأنشدوا فِي تفضيله: أَيهَا الْمُقْتَدِي ليطلب علما كلُّ عِلْم عَبْد لعلم الْكَلَام وَقيل للْقَاضِي أبي الطّيب: إِن قوما يذمون علم الْكَلَام، فَأَنْشد: عابَ الْكَلَام أناسٌ لَا خلاق لَهُم وَمَا عَلَيْهِ إِذا عابوه مِنْ ضَرَر مَا عَابَ شمس الضُّحَى فِي الْأُفق طالعةً أنْ لَا يرى ضَوْءَها مَنْ لَيْسَ ذَا بصر وَمَا قيل إِنَّه بِدعَة لِأَنَّهُ لم ينظر فِيهِ السّلف مَعَ أَنه يُورث المراء والجدال والشبهات رُدَّ بِأَنَّهُ نظر فِيهِ السّلف قطعا مِنْهُم عمر وَابْنه وَعلي وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم، وَمن التَّابِعين عمر بن عبد الْعَزِيز وَرَبِيعَة وَابْن هُرْمُز وَمَالك

<<  <   >  >>