للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّمَا لم نستدل لمدَّعانا بقوله تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَىاإِلَىَّ وَمَآ أَنَاْ إِلَاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الْأَحْقَاف: ٩] وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح (وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي وَلَا بكم) لذهاب جمَاعَة كَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَمَا أخرجه عَنهُ أَئِمَّة حفاظ كَأبي دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه إِلَى أَن ذَلِك قبل علمه مَا يفعل بِهِ من نَصره على جَمِيع من ناوأه بقوله عز قَائِلا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [الْفَتْح: ١] الْآيَة، وَمَا يفعل بهم بقوله: {لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الْفَتْح: ٥] الْآيَة، وَبِقَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً} [الْأَحْزَاب: ٤٧] . فَإِن قلت: يُؤَيّد ذَلِك الزَّعْم مَا أخرجه عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ} [الْأَحْقَاف: ٩] عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَوْف زَمَانا فَلَمَّا نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [الْفَتْح: ١] الْآيَة اجْتهد فَقيل تجهد نَفسك وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر؟ قَالَ: (أَفلا أكون عبدا شكُورًا) وَمَا أخرجه ابْن جرير عَن الْحسن أَيْضا فِي قَوْله: {وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ} [الْأَحْقَاف: ٩] قَالَ: أما فِي الْآخِرَة فمعاذ الله قد درى أَنه فِي الْجنَّة حِين أَخذ ميثاقه فِي الرُّسُل وَلَكِن (مَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم فِي الدُّنْيَا) ثمَّ أخبرهُ الله بِمَا يصنع بِهِ أَنه ينصره وَيظْهر دينه على الْأَدْيَان كلهَا، ويؤمنه أَنه لَا يستأصل أمته بِعَذَاب وَهُوَ فيهم؟ قلتُ: لَا تأييد فِيهِ لذَلِك بِوَجْه؛ أما كَلَامه الأول فَلِأَن معنى قَوْله عمل فِي الْخَوْف زَمَانا أَي فِي خَوفه على نَفسه فِي الدُّنْيَا أيُخرج كَمَا أُخرجت الْأَنْبِيَاء قبله أَو يُقتل كَمَا قتلت الْأَنْبِيَاء قبله؟ وعَلى أمته أَنهم يكذبونه أَو يرْمونَ بحجارة من السَّمَاء أَو يُخسف بهم كالأمم قبلهم؟ وَبِهَذَا صرح الْحسن نَفسه فِي الرِّوَايَة الثَّابِتَة عَنهُ تَفْسِيرا لقَوْله فِي الدُّنْيَا ثمَّ لما آمنهُ الله من ذَلِك غلب عَلَيْهِ شُهُود الشُّكْر لرَبه، وَهَذَا كُله لَا يُنَافِي الْخَوْف بِالْمَعْنَى السَّابِق الَّذِي ذَكرْنَاهُ أوّل الْجَواب؛ وَأما كَلَامه الثَّانِي فَلِأَن علمه أَنه فِي الْجنَّة لاينافي الْخَوْف بِالْمَعْنَى الَّذِي قدمْنَاهُ وحررناه كَمَا لَا يذهب على ذِي مسكة. الْخَامِس: أخرج الشَّيْخَانِ (وَالله إِنِّي لأعلمهم بِاللَّه وأشدهم لَهُ خشيَة) . وَفِي حَدِيث البُخَارِيّ: (وَالله إِنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم لَهُ) . وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ غَرِيب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَو يؤاخذني الله بِمَا فعلته هَؤُلَاءِ لأوثقني) يُشِير إِلَى يَدَيْهِ الشريفتين. وَأخرج أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (قلت لجبريل يَا جِبْرِيل مَالِي أرى إسْرَافيل لَا يضْحك وَلَا يأتيني أحد من الْمَلَائِكَة إِلَّا رَأَيْته يضْحك؟ فَقَالَ جِبْرِيل: مَا رَأينَا ذَلِك الْملك ضَاحِكا مُنْذُ خلقت النَّار) . وَأخرج أَحْمد عَنهُ بِسَنَد جيد بِلَفْظ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لجبريل (مَالِي أرى مِيكَائِيل لَا يضْحك، فَقَالَ مَا ضحك مِيكَائِيل مُنْذُ خلقت النَّار) . وَأخرج أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (جَاءَنِي جِبْرِيل وَهُوَ يبكي فَقلت مَا يبكيك؟ قَالَ: مَا جفتْ لي عين مُنْذُ خلق الله جَهَنَّم مَخَافَة أَن أعصيه فيلقيني فِيهَا) . وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب [العظمة] عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: (إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة لقائم بَين يَدي الْجَبَّار تبَارك وَتَعَالَى ترْعد فرائصه خوفًا من عَذَاب الله) الحَدِيث. وَأخرج الديلمي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لما كَانَ لَيْلَة أسرى بِي مَرَرْت بالملإ الْأَعْلَى وَجِبْرِيل كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله تَعَالَى) . وَأخرج أَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَو يؤاخذنا رَبنَا أَنا وَعِيسَى بن مَرْيَم بِمَا جنت هَاتَانِ يَعْنِي أصبعيه لعذبنا وَلَا يظلمنا شَيْئا) . وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْإِفْرَاد) بِلَفْظ (لَو أَن الله عز وَجل يؤاخذنا أَنا وَعِيسَى بن مَرْيَم بذنوبنا لعذبنا وَلَا يظلمنا شَيْئا) . وَمن الْمَعْلُوم الْمُقَرّر أَن الذُّنُوب الْوَارِدَة فِي الْقُرْآن وَالسّنة فِي حق الْأَنْبِيَاء صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَسلم المُرَاد بهَا خلاف الأولى اللَّائِق بعليِّ كمالهم لَا حَقِيقَة الذَّنب، وحينئذٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي الْمُدَّعِي أَن الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة يخَافُونَ رَبهم وَلَا يأمنون، وَمِمَّا يُصَرح بذلك أَيْضا قَوْله تَعَالَى فِي حق الْمَلَائِكَة {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النَّحْل: ٥٠] . السَّادِس: قَالَ الدَّمِيرِيّ فِي (حَيَاة الْحَيَوَان) تبعا للغزالي فِي (الْإِحْيَاء) : وَفِي الْخَبَر (أوحى الله تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: يَا دَاوُد خفني كَمَا تخَاف السَّبع الضاري) . قَالَ مخرّج أَحَادِيث (الْإِحْيَاء) الزين الْعِرَاقِيّ: لم أجد لَهُ أصلا وَلَعَلَّ المُصَنّف قصد بإيراده أَنه من الْإسْرَائِيلِيات، وَبِهَذَا يعلم أَنه مُقَرر لمعناه. قَالَ الدَّمِيرِيّ: وَمَعْنَاهُ خفني لأوصافي المخوفة من الْعِزَّة وَالْعَظَمَة والكبرياء والجبروت والقهر وَشدَّة الْبَطْش ونفوذ الْأَمر كَمَا تخَاف السَّبع الضاري لشدَّة يَدَيْهِ وعبوس وَجهه وجراءة قلبه وَسُرْعَة غَضَبه انْتهى. وَفِيه تَصْرِيح بِإِثْبَات الْخَوْف الْحَقِيقِيّ للأنبياء صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَسلم.

السَّابِع: الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي أدعيته صلى

<<  <   >  >>