للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمحظور مُتَرَادِفَانِ أَيْضا، وَكَذَلِكَ الْمسنون والمشروع والمحبوب والمرغَّب فِيهِ، وَالْمَنْدُوب، وَالْحسن، والمستحبَّ، والتطوّع، كلُّها مَعْنَاهَا وَاحِد، وَهُوَ الْمَطْلُوب طلبا غير حَازِم، وَخَالف فِي ذَلِك القَاضِي حُسَيْن وَغَيره فنفوا ترادُفها وَقَالُوا: هَذَا الْفِعْل إنْ واظب عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ السّنة، وَإِن لم يواظب عَلَيْهِ كَأَن فَعَله مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَهُوَ المستحَّب، أَو لم يَفْعَله وَهُوَ مَا يُنْشئه الْإِنْسَان بِاخْتِيَارِهِ من الأوراد فَهُوَ التطوّع، وَلم يتَعَرَّض للمندوب لعمومه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة بِلَا شكّ وَيُقَاس بِهِ الْبَقِيَّة، وَالْخلاف هُنَا لَفْظِي أَيْضا كَمَا قرر فِي مَحَله، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

٢٣٠ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ سؤالاً صورته: مَا معنى قَوْلهم شكر الْمُنعم وَاجِب، وَمَا الَّذِي يُؤَدِّي وَمَا حَده وَمَا ضابطه؟ فَأجَاب بقوله: قَالَ بَعضهم: تَحْرِير الْجَواب عَن ذَلِك مُتَوَقف على معنى الشُّكْر الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الْمَسْأَلَة الخلافية بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة وَهِي أَن شُكْر الْمُنعم وَاجِب شرعا عندنَا وعقلاً عِنْدهم، فالشكر الَّذِي هُوَ مَوْضُوع هَذِه الْمَسْأَلَة فسره الصفيّ الْهِنْدِيّ وَغَيره بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ للشكر فَقَالَ: هُوَ اعْتِقَاد الْقلب أنَّ مَا بِالْعَبدِ من نعْمَة فَمن الله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنعم بذلك فضلا مِنْ غير وجوب، والتحدث بِاللِّسَانِ بالمُنعم والخضوع بالجوارح وَالْأول وَاجِب وجوب الاعتقاديات، بِمَعْنى وجوب جزم العقيدة بِهِ واستصحاب هَذَا الْجَزْم حكما بِحَيْثُ لَا يطْرَأ مَا يُنَافِيهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الثَّانِي وَالثَّالِث، وَالْمَشْهُور تَفْسِيره بِالْمَعْنَى العُرفي، وعَلى مُقْتَضَاهُ جرى الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء) وَغَيره مِمَّن تكلم باصطلاح أَرْبَاب الْقُلُوب، وَهُوَ أَن الشُّكْر صَرْفُ العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خُلِق لأَجله؛ فالسمع خُلِقَ ليُصْرَفَ إِلَى تلقي مَا يردُ عَلَيْهِ من الْأَوَامِر والنواهي الإلهية، والمواعظ وَمَا يَنْتَظِم فِي سلكها، وَإِلَى مَا يدل بهَا على متعلقها ليُرتكب ويُجْتنب وَنَحْو ذَلِك. وَالْبَصَر ليصرف إِلَى رُؤْيَة المصنوعات فيستدل بهَا على وجوب وجود الصَّانِع وإتصافه بِصِفَات الْكَمَال وتعاليه عنْ أضَّدادها وَنَحْو ذَلِك وَاللِّسَان ليُصْرف إِلَى الذّكر والتذكير والدراسة والتعليم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَمَا أشبه ذَلِك، وعَلى هَذَا المنوال جَمِيع القوى والمدارك والجوارح، وَفِي (الْإِحْيَاء) للْإِمَام الْغَزالِيّ تَفْصِيل لذَلِك حسن، وَالشُّكْر بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الأول كَمَا لَا يخفى على من تَأمل، وعَلى كل من التفسيرين فَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى وَاجِب ومندوب لِأَن جَمِيع الطَّاعَات مندرجة فِيهِ على التَّفْسِير الثَّانِي وَهِي منقسمة إِلَى وَاجِب ومندوب. وعَلى التَّفْسِير الأول مندرِج فِيهِ سُجُود الشُّكْر لِأَنَّهُ خضوع فِي مُقَابلَة النِّعْمَة وَهُوَ مَنْدُوب، ومِنْ هَذَا يتحرر أَن المُرَاد فِي الْمَسْأَلَة الخلافية أنْ وجوب شكر الْمُنعم حيثْ وَجب فَهُوَ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعقلِ خلافًا للمعتزلة، فالاعتقاد مِنْهُ وَاجِب وجوب الاعتقاديات غير مُؤَقّت بِيَوْم وَلَا شهر وَلَا سنة، وَلَا مَوْصُوف بِمرَّة وَلَا تكْرَار إذْ الْمَقْصُود دَوَامه وَعدم اختلاله. وَأما أَعمال الْجَوَارِح فَمِنْهَا مَا يجب فِي الْيَوْم مَرَّات وَهِي المكتوبات، وَمِنْهَا مَا يجب فِي الْأُسْبُوع مرّة بِشَرْط وَهُوَ الْجُمُعَة، وَمِنْهَا مَا يجب فِي الْعَام مرّة وَهُوَ الصَّوْم، وَمِنْهَا مَا لَا يجب إِلَّا على بعض النَّاس كَالزَّكَاةِ وَالْحج. وَأما الثَّنَاء بِاللِّسَانِ فَهُوَ يتَكَرَّر فِي الْيَوْم مَرَّات كَقِرَاءَة الْمُصَلِّي {الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحِمان الرَّحِيم} فَإِنَّهُ ثَنَاء على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بربوبيته دون مَوْجُود سواهُ الْمُشْتَمل مَعْنَاهَا على الإنعام بإيجاد النَّوْع الإنساني، وتربيته بالتنقل فِي الأطوار من طور النُّطْفَة إِلَى طور الْعلقَة فالمُضْغة فالعظام المكُسوَّة لَحْمًا، فالحيوانية ثمَّ كَمَال الْخلقَة ثمَّ الْإِخْرَاج مِنْ ضيق الرَّحِم وظلمته إِلَى نور الفضاء وسعته، وتسخير الْأَبَوَيْنِ وتقوية الْحَواس وَالْقَوِي وحِفْظُها، وَكَذَلِكَ الْعقلِيّ إِلَى غير ذَلِك من صنوف النعم، وثناء عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِصفة الرَّحْمَة وَهِي شَامِلَة بِاعْتِبَار متعلقها لأنواع الْإِحْسَان فِي الدَّاريْنِ انْتهى.

٢٣١ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن إِطْلَاق الْعَام وَإِرَادَة الْخَاص أحقيقة أم مجَاز؟ إنْ قيل بِالْأولِ لزم أَنه اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ فَكيف يكون حَقِيقَة، أَو بِالثَّانِي ورد مَا ذكره بعض الْمُحَقِّقين أَنه قد يكون فِي هَذِه الْحَالة حَقِيقَة؟ فَأجَاب بقوله: هُوَ مجَاز قطعا كَمَا ذكره جَمِيع الْأُصُولِيِّينَ، وَالْمرَاد بِبَعْض الْمُحَقِّقين فِي السُّؤَال التقى السُّبْكِيّ رَحمَه الله فَإِنَّهُ بحث كَونه قد يكون حَقِيقَة من عِنْده بعد حكايته الْإِجْمَاع على خِلَافه، وفرَّعه على القَوْل بِأَن دِلالة الْعَام على كل فَرد من أَفْرَاده دِلالة مُطَابقَة، لِأَنَّهُ حينئذٍ لَيْسَ اسْتِعْمَالا للفظ فِي غير مَوْضُوعه، وَلَا فِي بعض مَوْضُوعه بل هُوَ كاستعمال الْمُشْتَرك فِي أحد معنييه وَهُوَ اسْتِعْمَال حَقِيقِيّ انْتهى. ويردُّ قِيَاسه بِأَن اسْتِعْمَاله فِي الْبَعْض مَقْصُورا عَلَيْهِ، صيره مجَازًا إذْ لَيْسَ هَذَا الِاسْتِعْمَال يُقيد

<<  <   >  >>