للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خشيَة قتل جمع لم يَقع وَإِذا تقرر أَن مَا فِي الثَّانِيَة أبلغ وأكد فِي الْإِنْكَار مِمَّا فِي الأولى وَالْآخِرَة اتَّضَح أَنه لَا بُد فِيهَا من الْإِشَارَة لذَلِك فَغير الأسلوب فِيهَا وَجعل الْجَواب القَوْل لِأَن الأغرب الَّذِي يكون الْجَواب لَهُ أوقع فِي النَّفس من السَّبَب الَّذِي علم مِنْهُ سبق نَظِيره وَهُوَ الْخرق وَفِيه حِكْمَة أُخْرَى وَهِي زِيَادَة الاستغراب فِي السَّبَب بقرنه بِالْفَاءِ لما قطعه عَن الْجَواب الدَّال على وُقُوع الْقَتْل عقب اللقى مَعَ زكاء تِلْكَ النَّفس ظَاهر أَو جعله جَوَابا يفوت هَذِه الْإِشَارَة وَالْحَاصِل أَن المتوسطة غير فِيهَا أسلوب الْأَوَّلين لداع اقْتَضَاهُ وَهُوَ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ الَّذِي لَوْلَا ذَلِك التَّغْيِير لما تنبه لَهُ وَسُئِلَ عَن حكمته وَنَظِير ذَلِك قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْعَام قل لَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلَا أعلم الْغَيْب وَلَا أَقُول لكم إِنِّي ملك فكرر أَقُول فِي الأولى وَالْآخِرَة دون المتوسطة لحكمة ظَاهِرَة فِي أَن انْتِفَاء الخزائن وَالْمَلَائِكَة عَنهُ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ فَسلط النَّفْي على قَوْلهمَا الَّذِي يتقوله بعض الْكَذَّابين لَا عَلَيْهِمَا لما تقرر من الْعلم بانتفائهما وَأما انْتِفَاء علم الْغَيْب عَنهُ فَغير ضَرُورِيّ بل ثُبُوته لَهُ من جملَة المعجزات الَّتِي يجوز وُقُوعهَا للأنبياء فَيحْتَاج إِلَى تسليط النَّفْي عَلَيْهِ لَا على قَوْله مُبَالغَة فِي التبري من ادعائه وإفادة الِاخْتِصَاص بِاللَّه من حَيْثُ الْعُمُوم للجزئيات والكليات والممنوح لبَعض الْخَواص إِنَّمَا هُوَ جزئيات مِنْهُ لَا غير فَتَأَمّله وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (وَسُئِلَ) نفع الله بِعُلُومِهِ عَن نزُول الْقُرْآن فِي أَي لَيْلَة من رَمَضَان (فَأجَاب) بقوله أنزل لَيْلَة أَرْبَعَة وعشرن مِنْهُ وَكَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة هِيَ لَيْلَة الْقدر فِي تِلْكَ السّنة فَمن ثمَّ حكم تَعَالَى بِأَنَّهُ نزل فِي رَمَضَان وَفِي لَيْلَة الْقدر وأصل هَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن وائلة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أنزلت التَّوْرَاة لست مضين من رَمَضَان وَالْإِنْجِيل لثلاث عشرَة خلت مِنْهُ وَالزَّبُور لثمان عشرَة خلت مِنْهُ وَالْقُرْآن لأَرْبَع وَعشْرين خلت مِنْهُ وَفِي رِوَايَة وصحف إِبْرَاهِيم لأوّل لَيْلَة قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَهَذَا الحَدِيث مُطَابق لقَوْله تَعَالَى {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} وَلقَوْله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} فَيحْتَمل أَن تكون لَيْلَة الْقُدْرَة فِي تِلْكَ السّنة كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة فَأنْزل فِيهَا جملَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ثمَّ أنزل فِي الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين إِلَى الأَرْض أول {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} انْتهى وَقَوله فَيحْتَمل الخ إِنَّمَا يَأْتِي على انتقالها الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ وَغَيره لَا على الْمَذْهَب أَنَّهَا تلْزم لَيْلَة بِعَينهَا فَعَلَيهِ يُجَاب بِأَن هَذَا الحَدِيث مَعَ انضمام الْآيَة إِلَيْهِ يدل على أَنَّهَا لَيْلَة أَربع وَعشْرين وَعَلِيهِ كَثِيرُونَ وَأطَال بَعضهم النَّفس فِي الِاسْتِدْلَال لَهُ وَقَوله أَن أول اقْرَأ نزل يَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين مُشكل بِمَا اشْتهر من أَنه - صلى الله عليه وسلم - بعث فِي شهر ربيع الأول وَأجِيب عَن هَذَا بِمَا ذَكرُوهُ أَنه نَبِي أَولا بالرؤيا فِي شهر مولده ثمَّ كَانَت مدَّتهَا سِتَّة أشهر ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ فِي الْيَقَظَة ذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَجَاء عَن أبي قلَابَة أَن الْكتب أنزلت لَيْلَة أَربع وَعشْرين من رَمَضَان وَقدمُوا الأول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أثبت مِنْهُ وَاسْتشْكل إنزاله جملَة لَيْلَة الْقدر إِلَى بَيت الْعِزَّة بِأَن من جملَته إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر فَإِن لم تكن مِنْهُ فَمَا نزل جملَة وَإِن كَانَت مِنْهُ فَمَا وَجه صِحَة هَذِه الْعبارَة وَأجِيب بِأَن مَعْنَاهُ أَنا حكمنَا بإنزاله فِي لَيْلَة الْقدر وقضينا وقدرناه فِي الْأَزَل وَأنزل بِمَعْنى ننزله فِي لَيْلَة الْقدر كأتى أَمر الله (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل ورد أَن اللاحن فِي الْقُرْآن لَهُ ثَوَاب (فَأجَاب) بقوله أخرج الْبَيْهَقِيّ أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه كُله فَلهُ بِكُل حرف أَرْبَعُونَ حَسَنَة فَإِن أعرب بعضه ولحن فِي بعضه فَلهُ بِكُل حرف عشرُون حَسَنَة وَإِن لم يعرب شيأ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات وَإسْنَاد ضَعِيف مُنْقَطع بل فِيهِ كَذَّاب وَضاع قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وَالظَّاهِر أَن الحَدِيث مِمَّا صنعت يَدَاهُ وَقد عده الذَّهَبِيّ من مَنَاكِيره وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ على كَيْفيَّة أُخْرَى وَقَالَ تفرد بِهِ فلَان وَهُوَ مَتْرُوك وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ من قَرَأَ القرىن فاعرب فِي قِرَاءَته كَانَ لَهُ بِكُل حُرُوف عشرُون حَسَنَة وَمن قَرَأَهُ بعير إِعْرَاب كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات وَإِسْنَاده لَا يَصح أَيْضا فَإِن رَاوِيه بَقِيَّة وَقد عنعنه وَهُوَ مُدَلّس وبفرض صِحَّته فَيحمل على لاحن لم يتَعَمَّد اللّحن وَلم يقصر فِي التَّعَلُّم (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ من النَّازِل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله} الْآيَة (فَأجَاب) بقوله ذكر جمع أَنه ثَعْلَبَة بن حَاطِب البدوي قَالَ فِي الْإِصَابَة وَلَا أَظن الْخَبَر يَصح وَإِن صَحَّ فَفِي كَونه هُوَ البدري نظر وَقد ذكر ابْن الْكَلْبِيّ أَن البدري قتل بِأحد فَبَان أَنه غير هَذَا لِأَن هَذَا عَاشَ إِلَى خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَيُؤَيّد ذَلِك تَسْمِيَته فِي تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه

<<  <   >  >>