للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أوضحُوا الْجَواب (فَأجَاب) بقوله قَضِيَّة الْآيَة الأولى وجوب الضَّرْب بِالْخمرِ على الْجُيُوب بِأَن يسترن الرؤس والأعناق والصدور بالمقانع وَنَحْوهَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِنَّ ستر مَا عدا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لَكِن قَضِيَّة الْآيَة الثَّانِيَة أَن الْمَرْأَة الْكَبِيرَة الَّتِي قعدت عَن الْحيض وَالنّفاس وَالْولد بكبرها مُسْتَثْنَاة من الحكم السَّابِق فَلَا يجب عَلَيْهَا ستر مَا ذكر وَكَلَام أَصْحَابنَا لَا يُوَافق ذَلِك لشمُول وجوب السّتْر الْمَذْكُور فِي كَلَامهم للْمَرْأَة مُطلقًا وَإِن كَبرت وَلم تشته وَحِينَئِذٍ فالآية الثَّانِيَة يشكل ظَاهرهَا على ذَلِك وَقد يُقَال لَا اسْتثِْنَاء أصلا لِأَن مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة الأولى غير مَا دلّت عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذْ الْمَأْمُور بِهِ فِي الأولى الضَّرْب بِالْخمرِ فَوق الْجُيُوب وَهَذَا يَشْمَل الْمَرْأَة بِسَائِر أَنْوَاعهَا وَالَّذِي جوز لَهُنَّ فِي الْآيَة الثَّانِيَة هُوَ طرح الثِّيَاب الَّتِي فَوق الْخمر أخذا من قَول بعض الْمُفَسّرين الَّتِي لَا تشْتَهي بِخِلَاف غَيرهَا إِلَّا أَن يُقَال ألحق غَيرهَا بهَا فِي ذَلِك لِأَن الْمدَار على ستر مَا عدا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ حَاصِل سَوَاء وضعن الثِّيَاب الْمَذْكُورَة أم لَا فَإِن قلت فَمَا الْحِكْمَة حيثئذ فِي التَّقْيِيد بِالْكبرِ قلت للإشعار بِأَن الْمَرْأَة مأمورة بالمبالغة فِي السّتْر مَا أمكنها فَلم يحسن التَّصْرِيح بِالْجَوَازِ إِلَّا للكبيرة الَّتِي لَا تشْتَهي وطوى ذكر غَيرهَا قصدا لهَذِهِ النُّكْتَة (وَسُئِلَ) أَيْضا رَضِي الله عَنهُ قَوْله تَعَالَى {قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ مَا يدعونني إِلَيْهِ} يَقْتَضِي ثُبُوت محبته الزِّنَا وَهُوَ غير جَائِز على الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم (فَأجَاب) بقوله أَشَارَ الْبَيْضَاوِيّ إِلَى جَوَاب ذَلِك بِأَن الزِّنَا مِمَّا تشتهيه النَّفس طبعا وَلَا مُؤَاخذَة فِيهِ والسجن مِمَّا تكرههُ كَذَلِك وَمَعَ ذَلِك فآثره عَلَيْهِ وَقيل لما سبق مِنْهَا الْوَعيد إِن لم يفعل كَانَ إِكْرَاها وَقد يكون فِي شرعهم يُبِيح الزِّنَا فَأصل الْحبّ إِنَّمَا ثَبت لمباح أَو أَن ذَلِك قبل النُّبُوَّة أخذا من رِسَالَة الزَّرْكَشِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَعِنْدِي فِي جَمِيع ذَلِك وَقْفَة أما فِي الأول فَلِأَن نفوس الْأَنْبِيَاء مطهرة عَن جَمِيع الْخَبَائِث الطبيعية والعارضة وَلَو قَالَ الْبَيْضَاوِيّ إِن حب الْوَطْء مَعَ قطع النّظر عَن كَونه زنا طبيعي لَكَانَ أولى وَإِلَّا فالإشكال بَاقٍ وَأما فِي الثَّانِي فَلِأَن التَّحْقِيق أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام معصومون من جَمِيع الْكَبَائِر والصغائر قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا وَالَّذِي يتَّجه لي أَنه إِنَّمَا أَتَى بِصِيغَة أفعل على مَا ذكر تواضعا وإظهارا فِي مقَام الذلة والخضوع لعيوبه حذرا من تَزْكِيَة نَفسه فِي مقَام الْخطاب (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل على من فضل بَين القراآت ملام (فَأجَاب) بقوله إِن كَانَ من حَيْثُ أَن إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْن أَو القراآت أبين أَو أوضح أَو أوفق لعلم النَّحْو أَو الْبَيَان أَو نَحْو ذَلِك فَلَا ملام فِيهِ وَكتب التَّفْسِير مشحونة من ذَلِك وَإِن كَانَ لَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بل بِمَا ينجر ذَلِك من قَائِله إِلَى مَا فِيهِ ملام فملام وَأي ملام (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل الْقِرَاءَة ذَات السَّبع متواترة مُطلقًا أَو عِنْد الْقُرَّاء فَقَط وَهل إِنْكَار تواترها كفر أم لَا (فَأجَاب) بقوله هِيَ متواترة عِنْد الْقُرَّاء وَغَيرهم وَاخْتَارَ بعض أَئِمَّة متأخري الْمَالِكِيَّة أَنَّهَا متواترة عِنْد الْقُرَّاء لَا عُمُوما وإنكار تواترها صرح بَعضهم بِأَنَّهُ كفر وَاعْتَرضهُ بعض أئمتهم فَقَالَ لَا يخفى على من اتَّقى الله وَفهم مَا نَقَلْنَاهُ عَن الْأَئِمَّة الثِّقَات من اخْتلَافهمْ فِي تواترها وطالع كَلَام القَاضِي عِيَاض من أَئِمَّة الدّين أَنه قَول غير صَحِيح هَذِه مسئلة الْبَسْمَلَة اتَّفقُوا على عدم التَّكْفِير بِالْخِلَافِ فِي إِثْبَاتهَا ونفيها وَالْخلاف فِي تَوَاتر وُجُوه الْقِرَاءَة مثله أَو أيسر مِنْهُ فَكيف يُصَرح فِيهِ بالتكفير وبتسليم تواترها عُمُوما وخصوصا لَيْسَ ذَلِك مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ والاستحلال والتكفير إِنَّمَا يكون بإنكار الْمجمع عَلَيْهِ الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَالِاسْتِدْلَال على الْكفْر بِأَن إِنْكَار تواترها يُؤَدِّي إِلَى عدم تَوَاتر الْقُرْآن جملَة مَرْدُود من ثَلَاثَة أوجه الأول منع كَونه يُؤَدِّي إِلَى ذَلِك وَالْمَنْع كَاف لِأَنَّهُ لم يَأْتِ على كَونه يدل على ذَلِك بِدَلِيل وَلَيْسَ علم ذَلِك وَاضحا بِحَيْثُ لَا يفْتَقر إِلَى دَلِيل الثَّانِي لَو سلمنَا عدم التَّمَسُّك بِمُجَرَّد الْمَنْع لنا الدَّلِيل قَائِم على عدم تأديته لذَلِك وَهُوَ أَن يُقَال كلما حكم بِثُبُوت الْمَنْقُول بِنَقْل عدد مُخْتَلف لفظ ناقليه مَعَ اتفاقه فِي الْمَعْنى لحكم ذَلِك الْعدَد الْمُتَّفق لفظ ناقليه لم يكن عدم تَوَاتر وُجُوه القراآت السَّبْعَة مُؤديا لعدم تواترها فالملزوم حق وَاللَّازِم بَاطِل بَيَان حَقِيقَته أَن ثُبُوت شَهَادَة أَرْبَعَة فِي الزِّنَا أَو اثْنَيْنِ فِي غَيره مَعَ اخْتِلَاف كلاماتهم أَو بَعْضهَا مَعَ اتِّفَاقهم فِي الْمَعْنى الْمَشْهُود بِهِ كثبوتها مُتَّفقا ألفاظها وَلَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا

<<  <   >  >>