للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأقدس الَّذِي منحوه الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى فَإِذا أحببته صرت سَمعه وعينه وَيَده وَرجله الحَدِيث ويثبتون لأَنْفُسِهِمْ بطرِيق الْإِيهَام لَا بطرِيق الْحَقِيقَة مَا أثْبته الْحق لنَفسِهِ لَا بِمَعْنى الِاتِّحَاد الَّذِي هُوَ عين الْكفْر والإلحاد وحاشاهم الله عَنهُ بل بِمَعْنى اتِّحَاد الشُّهُود الَّذِي صير الحكم لَيْسَ إِلَّا لذات الْحق تَعَالَى وتقدس فَقَوله أَنا الْحق أَو سبحاني مَعْنَاهُ قد تجلى على الْحق بشهوده حَتَّى صرت كَأَنِّي هُوَ هَذَا كُله إِن صدر عَنْهُم ذَلِك فِي حَال الصحو وَأما إِذا صدر عَنْهُم ذَلِك فِي حَال الْغَيْبَة فَهُوَ من الشطحات الَّتِي لَا حكم لَهَا إِذْ لَا يحكم إِلَّا على مَا تلفظ بِهِ صَاحبه فِي حَال الصحو وَالِاخْتِيَار وَأما مَا تلفظ بِهِ فِي حيّز الصحو والغيبة فَلَا يدار عَلَيْهِ حكم الْبَتَّةَ وَمن ذَلِك أَيْضا قَول أبي يزِيد مَا فِي الْجُبَّة غير الله فَإِن كَانَ فِي حَال الصحو وَكَانَ مَعْنَاهُ مثل مَا مر أَو لَا وَإِلَّا فَلَا معنى لَهُ فَلَا يدار عَلَيْهِ حكم وَالله أعلم (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل كرامات الْأَوْلِيَاء حق وَهل يجوز أَن تبلغ مبلغ المعجزة وَمَا الْفرق بَينهمَا وَبَين السحر وَلم كثرت بعد زمن الصَّحَابَة وهم أفضل الْأمة (فَأجَاب) بقوله رَحمَه الله الْحق الَّذِي عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة من الْفُقَهَاء والأصوليين والمحدثين وكثيرون من غَيرهم خلافًا للمعتزلة وَمن قلدهم فِي بهتانهم وضلالهم من غير روية وَلَا تَأمل وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق يمِيل إِلَى قريب من مَذْهَبهم أَو يؤول كَلَامه إِلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَن ظُهُور الْكَرَامَة على الْأَوْلِيَاء وهم القائمون بِحُقُوق الله وَحُقُوق عباده بِجَمْعِهِمْ بَين الْعلم وَالْعَمَل وسلامتهم من الهفوات والزلل جَائِزَة عقلا كَمَا هُوَ وَاضح لِأَنَّهَا من جملَة الممكنات وَلَا يمْتَنع وُقُوع شَيْء لقبح عَقْلِي لِأَنَّهُ لَا حكم لِلْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي وُقُوع الْكَرَامَة مَا يقْدَح فِي المعجزة بِوَجْه فَإِنَّهَا لَا تدل لعينها بل لتعلقها بِدَعْوَى الرسَالَة فَكَمَا جَازَ تَصْدِيق مدعيها بِمَا يُطَابق دَعْوَاهُ جَازَ أَن يصدر عَنهُ مثله إِكْرَاما لبَعض أوليائه وَسَيَأْتِي لذَلِك مزِيد فِي تَحْقِيق الْفرق بَينهمَا وواقعة نقلا مفيدة لليقين من جِهَة مَجِيء الْقُرْآن بِهِ وَوُقُوع التَّوَاتُر عَلَيْهِ قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل وَكتب الْعلم شرقا وغربا وعجما وعربا ناطقة بوقوعها متواترة تواترا معنويا لَا يُنكره إِلَّا غبي أَو معاند فمما فِي الْقُرْآن مَجِيء رزق مَرْيَم إِلَيْهَا من الْجنَّة وهزها جذع النَّخْلَة حَتَّى تساقط عَلَيْهَا مِنْهُ الرطب الجني من غير أَو أَن الرطب وعجائب الْخضر بِنَاء على الْمَرْجُوح أَنه ولي نَبِي وقصة ذِي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف وَكَلَام كلبهم لَهُم وقصة الَّذِي عِنْده علم الْكتاب وَهُوَ آصف بن برخيا فِي إِحْضَاره لعرش بلقيس قبل رمش الْعين من مسيرَة أَكثر من شهر وَمِمَّا فِي السّنة من تكليم الطِّفْل لجريج وانفراج الصَّخْرَة عَن الثَّلَاثَة الَّذين فِي الْغَار بدعائهم وتكثير طَعَام أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي قَصْعَة مَعَ ضَيفه حَتَّى صَار بعدا لَا كل أَكثر مِمَّا كَانَ قبله بِثَلَاث مَرَّات روى هَذِه الثَّلَاثَة البُخَارِيّ وَمُسلم ورويا أَيْضا أَنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حق عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه من الْمُحدثين بِفَتْح الدَّال أَي الملهمين وَصَحَّ أَيْضا عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه بَيْنَمَا هُوَ يخْطب على مِنْبَر الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة وَإِذا هُوَ يُنَادي فِي حَال خطبَته يَا سَارِيَة الْجَبَل فَعجب النَّاس لذَلِك وأنكروا عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ بعد ذَلِك وشدد عَلَيْهِ وَأخْبر بِمَا قَالَ النَّاس فِيهِ ثمَّ ظهر لَهُم قَرِيبا الْوَاقِعَة وصدقها وَمَا فِيهَا من الكرامات وَمِنْهَا الْكَشْف لَهُ عَن حَال سَارِيَة وَالْمُسْلِمين وعدوهم وَمِنْهَا بُلُوغ صَوته لسارية حَتَّى سمع واهتدى سَارِيَة إِلَى أَن هَذَا صَوت عمر مَعَ بعد الشقة فَإِنَّهُ بنها وندمن أَرض الْعَجم وَمَعَهُ سَرِيَّة من الْمُسلمين فكمن لَهُم عدوهم فِي الْجَبَل ليستأصلوهم فكشف لعمر رَضِي الله عَنهُ عَن حَالهم فناداه يحذرهُ الكمين الَّذِي بِجنب الْجَبَل فَبَلغهُ صَوته فَسَمعهُ فاستيقظوا للكمين وظفروا بهم وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مَجِيء العنقود من الْعِنَب فِي غير أَوَانه لخبيب لما أُرِيد قَتله بِمَكَّة وَفِيه أَيْضا أَن أسيد بن حضير وَعباد بن بشر رَضِي الله عَنْهُمَا خرجا من عِنْد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَة مظْلمَة ومعهما مثل المصباحين بَين أَيْدِيهِمَا وروى البُخَارِيّ وَمُسلم أَن كلا من سعد وَسَعِيد من الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ دَعَا على من كذب عَلَيْهِ فاستجيب لَهُ بِعَين مَا سَأَلَهُ وَصَحَّ فِي مُسلم رب أَشْعَث أغبر مَدْفُوع بالأبواب لَو أقسم على الله لَأَبَره قيل لَو لم يكن إِلَّا هَذَا الحَدِيث لكفى فِي الدّلَالَة لهَذَا المبحث وَإِذا تقرر جَوَازهَا ووقوعها من غير إحصاء وَلَا حصر فَالَّذِي عَلَيْهِ مُعظم الْأَئِمَّة أَنه يجوز بُلُوغهَا مبلغ المعجزة فِي جِنْسهَا وعظمها وَإِنَّمَا يفترقان فِي أَن المعجزة تقترن بِدَعْوَى النُّبُوَّة أَي بِاعْتِبَار الْجِنْس أَو مَا من شَأْنه وَإِلَّا فَأكْثر معجزات الْأَنْبِيَاء لَا سِيمَا نَبينَا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -

<<  <   >  >>