للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي عصرون وَأما أَنا فَجئْت إِلَى دمشق فأحضرني السُّلْطَان الصَّالح نور الدّين الشَّهِيد وأكرهني على ولَايَة الْأَوْقَاف فَوليتهَا وَأَقْبَلت على الدُّنْيَا إقبالا كثيرا فقد صدق قَول الْغَوْث فِينَا كلنا وَفِي هَذِه الْحِكَايَة الَّتِي كَادَت أَن تتواتر فِي الْمَعْنى لِكَثْرَة نَاقِلِيهَا وعدالتهم فِيهَا أبلغ زجر وآكد ردع عَن الْإِنْكَار على أَوْلِيَاء الله تَعَالَى خوفًا من أَن يَقع الْمُنكر فِيمَا وَقع فِيهِ ابْن السقا من تِلْكَ الْفِتْنَة الْمهْلكَة الأبدية الَّتِي لَا أقبح مِنْهَا وَلَا أعظم مِنْهَا نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك ونسأله بِوَجْهِهِ الْكَرِيم وحبيبه الرؤوف الرَّحِيم أَن يؤمننا من ذَلِك وَمن كل فتْنَة ومحنة بمنه وَكَرمه وفيهَا أَيْضا أتم حث على اعْتِقَادهم وَالْأَدب مَعَهم وَحسن الظَّن بهم مَا أمكن رَابِعهَا أَن الشطح قد يكون فِيهِ نفع لِلْخلقِ وَقد عرفُوا ذَلِك بإلهام أَو كشف أَو خطاب أَو نَحْوهَا من وُجُوه التعريفات كَمَا تَوَاتر بِالْيمن فِي الشَّيْخ الْعَارِف إِمَام الْفُقَهَاء والصوفية فِي وقته إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ نفع الله بِهِ أَنه قَالَ من قبل قدمي دخل الْجنَّة فَلم يزل يقبل قدمه كل زائر وَإِن جلت مراتبه وَمن كراماته أَنه كَانَ دَاخِلا لزبيد وَقد دنت الشَّمْس للغروب فَقَالَ لَهَا لَا تغربي حَتَّى ندْخلهَا فوقفت سَاعَة طَوِيلَة فَلَمَّا دَخلهَا أَشَارَ إِلَيْهَا فَإِذا الدُّنْيَا مظْلمَة والنجوم ظَاهِرَة ظهورا تَاما خَامِسهَا ظُهُور المُرَاد من اللَّفْظ وَإِن أشكل ظَاهره كَمَا وَقع للشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل نفع الله بِهِ أَنه جَاءَ إِلَيْهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا بعبيدي فَاشْتَدَّ إنكارهم عَلَيْهِ وَذكروا ذَلِك للشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور قبله فَقَالَ صدق أَنْتُم عبيد الْهوى وَهُوَ عَبده سادسها الْإِشَارَة إِلَى الْخلَافَة عَن الْحق بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التَّصَرُّف فِي الْكَوْن كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْغَيْث:

(وحباني الْملك الْمُهَيْمِن خلعة ... فالأرض أرضي وَالسَّمَاء سمائي)

وَفِي رِوَايَة

(وحلاني الْملك الْمُهَيْمِن باسمه)

أَي سره أَو صفته أَو بركته أَو بالنيابة عَنهُ فِي التَّصَرُّف فِيمَا أذن لي فِيهِ أَو أَن اسْمِي الَّذِي هُوَ أَبُو الْغَيْث مُشْتَقّ من اسْم الله تَعَالَى المغيث فَأَبُو المغيث نفع الله بِهِ كتب هَذَا جَوَابا لما كتبه إِلَيْهِ الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه أَحْمد بن علوان رَحمَه الله ونفع بِالْجَمِيعِ وَهُوَ جزت الصُّفُوف أَي مقامات الْأَوْلِيَاء أَو صُفُوف الْمَلَائِكَة إِلَى الْحُرُوف أَي علم الْحُرُوف والأسماء إِلَى الهجاء أَي الِاطِّلَاع على الْأَسْرَار حَتَّى انْتَهَيْت مَرَاتِب الإبداع أَي إِلَى أَن تتصرف فِيمَا أذن لَك الله فِيهِ بقدرته وَقد مر أَنه يجوز أَن يعْطى الْوَلِيّ نَظِير كرامات الْأَنْبِيَاء بِشَرْط عدم التحدي بِالنُّبُوَّةِ أَو أَن المُرَاد أَن الله أطلعك على تكوين الْخلق أَو أسمعك صريف الْقَلَم الَّذِي أَمر بكتب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمعنى جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق الْكِنَايَة عَن الْقَضَاء المبرم الَّذِي هُوَ فِي أم الْكتاب لَا يقبل تبديلا وَلَا تغييرا بَيت:

(لَا باسم ليلى استعنت على السرى ... كلا وَلَا لبني يرد شراعي)

أَي لم تستعن بشيخ وَلَا غَيره فِيمَا فوّض إِلَيْك من الْمُتَصَرف فِي قطع مهامه الْعَوَائِق بل صرت مُسْتقِلّا بِنَفْسِك فِي التَّصَرُّف مَأْذُونا فِيهِ لَا تحْتَاج إِلَى شيخ يدلك وَلَا تحمل شراع أَي قلع مركبك الساري فِي بَحر المعارف وشهود مجاري الأقدار واللطائف وَلَا تمسك سكانه لعرفانك بالبحر وَمحل أخطاره سابعها قصد التخريب وَهُوَ مَا يَقع للملامتية وهم قوم طابت نُفُوسهم مَعَ الله فَلم يودوا أَن أحدا يطلع على أَعْمَالهم غَيره فَإِذا رأى أحد مِنْهُم أَن أحدا اعْتقد فِيهِ خرب أَي ارْتكب مَا يذم بِهِ ظَاهره من فعل وَقَول كسرقة بعض الْأَوْلِيَاء وَهُوَ إِبْرَاهِيم الْخَواص نفع الله بِهِ وناهيك بِهِ علما وَمَعْرِفَة لما رأى أهل بَلَده يعتقدونه سرق ثيابًا من الْحمام لِابْنِ الْملك وَخرج يتبختر بهَا حَتَّى أدْرك فَضرب وَأخذت مِنْهُ وسمى لص الْحمام فَقَالَ الْآن طابت الْإِقَامَة فِي هَذِه الْبَلَد فَإِن قلت مَا تَأْوِيله فِي لبس ثِيَاب الْغَيْر قلت يحْتَمل أَنه علم عَتبه وَرضَاهُ بل أرضاه وَإِن لم يعلم قلبه نظرا إِلَى الْغَالِب لِأَن من اطلع على بَاطِن عبد أَنه فِي غَايَة الصّلاح وَأَن لبسه هَذَا الزَّمن الْيَسِير ليطهر نَفسه من النّظر إِلَى الْخلق رضى لَهُ بذلك قطعا وَقد صرح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز أَخذ خلال وخلالين من مَال الْغَيْر نظرا إِلَى أَن ذَلِك مِمَّا يتَسَامَح بِهِ عَادَة ومسئلتنا أولى من ذَلِك لِأَن أَكثر النَّاس مجبولون على محبَّة هَذِه الطَّائِفَة بل كلهم منقادون إِلَى الصَّادِقين من أَهلهَا ثمَّ رَأَيْت بَعضهم أجَاب بِجَوَاب آخر حِين سَأَلَهُ فَقِيه عَنْهَا لَا أقنع إِلَّا بِكَلَام الْفُقَهَاء فَقَالَ أَلَيْسَ يجوز فِي ظَاهر الْفِقْه اسْتِعْمَال بعض الْمُحرمَات للضَّرُورَة كالتداوي بِالنَّجَاسَةِ فَقَالَ الْفَقِيه بلَى فَقَالَ

<<  <   >  >>