الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤَيّدهُ الله تعال بملائكته وروح مِنْهُ ويقذف فِي قلبه من أنواره. وَالْحَاصِل أَن كَرَامَة الْوَلِيّ من بعض معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن لعظم اتِّبَاعه لَهُ أظهر الله بعض خَواص النَّبِي على يَدي وَارثه ومُتَّبِعه فِي سَائِر حركاته وسكناته. وَقد تنزلت الْمَلَائِكَة لاستماع قِرَاءَة أسيد بن حضير الْكِنْدِيّ، وَكَانَ سلمَان وَأَبُو الدَّرْدَاء يَأْكُلُون فِي صَحْفَة فسبحت الصحفة وَمَا فِيهَا، ثمَّ الصَّحِيح أَنهم ينتهون إِلَى إحْيَاء الْمَوْتَى خلافًا لأبي الْقَاسِم الْقشيرِي، وَمن ثمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيّ مَا قَالَه مَذْهَب ضَعِيف وَالْجُمْهُور على خِلَافه، وَقد أنكروه عَلَيْهِ حَتَّى وَلَده أَبُو نصر فِي كِتَابه (المرشد) فَقَالَ عقب تِلْكَ الْمقَالة: وَالصَّحِيح تَجْوِيز جملَة خوارق الْعَادَات كَرَامَة للأولياء، وَكَذَا فِي إرشاد إِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَفِي شرح مُسلم للنووي تجوز الكرامات بخوارق الْعَادَات على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا، وخصها بَعضهم بإجابة دَعْوَة وَنَحْوهَا وَهَذَا غلط من قَائِله وإنكار للحس بل الصَّوَاب جريانها بانقلاب الْأَعْيَان وَنَحْوه انْتهى. (حكايات لَطِيفَة) وَقد مَاتَ فرس بعض السّلف فِي الْغَزْو فَسَأَلَ الله إحياءه حَتَّى يصل بَيته فأحياه الله، فَلَمَّا وصل بَيته قَالَ لوَلَده: خُذ سَرْجه فَإِنَّهُ عَارِية عندنَا فَأَخذه فَخر مَيتا. وَقَالَ اليافعي رَضِي الله عَنهُ: صَحَّ بالسند الْمُتَّصِل إِلَى الشَّيْخ القطب عبد الْقَادِر الجيلاني رَحمَه الله تَعَالَى أَن أم شَاب عِنْده دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يَأْكُل فِي دجَاجَة فأنكرت أكله الدَّجَاجَة وإطعامه ابْنهَا أرذل الطَّعَام، فَقَالَ لَهَا: إِذا صَار ابْنك بِحَيْثُ يَقُول لمثل هَذِه الدَّجَاجَة قومِي بِإِذن الله فَقَامَتْ وَلها أَجْنِحَة وطارت بهَا حُقَّ لَهُ أَن يَأْكُل الدَّجَاج. وَلَا يُنَافِي إحْيَاء الْمَيِّت الْوَاقِع كَرَامَة أَن الْأَجَل مَحْتوم لَا يزِيد وَلَا ينقص، لِأَن من أحيى كَرَامَة مَاتَ أوّلاً بأجله، وحياته وَقعت كَرَامَة، وَكَون الْمَيِّت لَا يحيا إِلَّا للبعث هَذَا عِنْد عدم الْكَرَامَة أما عِنْدهَا فَهُوَ كإحيائه فِي الْقَبْر للسؤال كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر. وَقد وَقع للعزير وَحِمَاره وللذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم. إِذا تقرر ذَلِك فَمن أحيى كَرَامَة فَتَارَة يتَيَقَّن مَوته تَيَقنا ضررياً بِنَحْوِ قطع رَأسه وإبانة جثته فَهَذَا إحياؤه لَا يُعِيد لَهُ شَيْئا من زَوْجَاته وَلَا مِمَّا اقتسمته ورثته من أَمْوَاله لما تقرر أَن هَذَا كالإحياء الَّذِي فِي الْقَبْر، وَتارَة لَا يتَيَقَّن كَذَلِك فيتبين أَنه لم يزُل شَيْء عَن اسْتِحْقَاقه فَيَعُود لَهُ. وَالْحَاصِل: أَن الْإِحْيَاء بعد الْمَوْت المُرَاد بِهِ الْإِحْيَاء للبعث لَا للكرامة أَو سُؤال الْملكَيْنِ. ٦٥ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا أفضل سُورَة، وَمَا أفضل آيَة حَتَّى يَبرِّ الْحَالِف ليُقرِّ أَن أفضل سُورَة أَو آيَة، وَهل الْأَعْظَم بِمَعْنى الْأَفْضَل، وَمَا أفضل الْأَذْكَار، وَهل بَين التَّسْبِيح والتحميد والتهليل مفاضلة وَهل هَذِه أفضل من الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَكسه؟ فَأجَاب بقوله: الَّذِي صَحَّ فِي الْأَحَادِيث أَن أعظم سُورَة الْفَاتِحَة، وَأعظم آيَة آيَة الْكُرْسِيّ، فَأم الْقُرْآن أعظم السُّور أَي أَكْثَرهَا ثَوابًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام فِي (فتح الْبَارِي) وَظَاهر كَلَامه التلازم بَين الأعظمية والأفضلية فقراءة الْفَاتِحَة أَكثر ثَوابًا من قِرَاءَة سُورَة غَيرهَا وَإِن طَالَتْ عَلَيْهَا. وَلَا يرد على ذَلِك أَن كل حرف بِعشْرَة لما قَالُوهُ فِي الْخَبَر الصَّحِيح (إِن قل هُوَ الله أحد تعدل ثلث الْقُرْآن) أَي قِرَاءَة قَدْر حُرُوف الثُّلُث بِلَا مضاعفة كَذَا قَالُوهُ مَعَ أَنه يلْزم عَلَيْهِ أَن تلاوتها ثَلَاث مَرَّات تعدل الْقُرْآن بالمضاعفة، لِأَن قِيَاس مَا تقرر أنَّ مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا كتب لَهُ ثَوَاب الْقُرْآن كُله كل حرف بِعشْرَة فَيلْزم عَلَيْهِ تَفْضِيل الْعَمَل الْقَلِيل على الْكثير، وَلَا بدع فِيهِ، لِأَن الله تَعَالَى لَهُ خصوصيات يَمُّن بهَا على من يَشَاء من خلقه، أَلا ترى إِلَى مَا صَحَّ أَن هَذِه الْأمة مَعَ قصر أعمارها أَكثر ثَوابًا من غَيرهم من بَقِيَّة الْأُمَم مَعَ طول أعمارهم وَكَثْرَة عباداتهم، فَعلمنَا أَن تَفْضِيل الْعَمَل الْكثير على الْقَلِيل إِنَّمَا هوأمر أغلبي فَقَط، وحينئذٍ فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَواب عَن كَون {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الصَّمد: ١] تعدل ثلث الْقُرْآن بِأَن المُرَاد تعدله بِلَا مضاعفة، لما بَينته مِمَّا يلْزم عَلَيْهِ أَن مَا فروا مِنْهُ بذلك الْجَواب وَقَعُوا فِيهِ، وَهُوَ أَنه لزم على قَوْلهم إنَّ قرَاءَتهَا ثَلَاث مَرَّات تعدل الْقُرْآن بالمضاعفة فوقعوا حينئذٍ فِي تَفْضِيل الْعَمَل الْقَلِيل على الْكثير، فَلَا مَفرَّ إِلَّا بِمَا ذكرته أَن تِلْكَ الْقَاعِدَة أغلبية، فبعض الْأَعْمَال القليلة أفضل من بَعْضهَا الْكثير. وَبعد أَن تمهد ذَلِك وَظهر فَلَا يشكل كَون قِرَاءَة الْفَاتِحَة أفضل من قِرَاءَة سُورَة أُخْرَى أطول مِنْهَا. وَقد ذكر الرَّافِعِيّ أَن قِرَاءَة سُورَة كَامِلَة فِي الصَّلَاة أفضل من قِرَاءَة بعض سُورَة وَإِن طَال ذَلِك الْبَعْض، وَوَجهه أَن فَضِيلَة الِاتِّبَاع فِي قِرَاءَة السُّورَة تربو على فَضِيلَة المضاعفة فِي قِرَاءَة ذَلِك الْبَعْض الطَّوِيل، وَمن ثمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: صَلَاة ظهر النَحْر بمنى أفضل مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute