للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَرَام، وإنَّ قُلْنَا إِن المضاعفة تخْتَص بِالْمَسْجِدِ لِأَن فَضِيلَة الِاتِّبَاع تربو على فَضِيلَة المضاعفة. وَأَيْضًا فالسورة اشتملتْ على مبدأ ومقطع كَامِلين، بِخِلَاف بعض السُّورَة فَلم يبعد أَن يُقَال إِن السُّورَة القصيرة أفضل من الْبَعْض الطَّوِيل لذَلِك، وَبِهَذَا يعلم أَنه لَا تنَاقض بَين تَعْبِير الرَّافِعِيّ بقوله أفضل من بعض طَوِيلَة وَإِن طَال، وَقَول النَّوَوِيّ أفضل من قدْرها من طَوِيلَة لِأَن الأول نظر إِلَى الْأَمر الْخَارِجِي وَهُوَ الِاتِّبَاع والاشتمال الْمَذْكُورَان فَأثْبت الْأَفْضَلِيَّة للسورة القصيرة على الْبَعْض الطَّوِيل، وَالثَّانِي نظر إِلَى ذَات السُّورَة وَالْبَعْض، وَالسورَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة إِنَّمَا هِيَ أفضلُ من الْبَعْض الَّذِي هُوَ قدرهَا لَا أَكثر، فَتَأمل ذَلِك، ينْدَفع بِهِ عَنْك مَا وَقع فِيهِ كَثِيرُونَ من فهمهم التَّنَاقُض بَين عبارتي الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين، وَمِمَّا يدل على ترادف الْأَعْظَم وَالْأَفْضَل قَول الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: الأعظمية والأفضلية فِي أَسمَاء الله تَعَالَى ترجع إِلَى أَمر وَاحِد هُوَ أَن مَا كَانَ من الْأَسْمَاء والآيات أصرح فِي التَّوْحِيد وَأدْخل فِي التَّقْدِيس والتعظيم والتمجيد، فَهُوَ أفضل من غَيره من الْأَسْمَاء والآيات، وإنْ زَادَت حُرُوف غَيره بأضعاف مضاعفة لما فِيهِ من زِيَادَة الثَّنَاء بالجميل على الْوَجْه الْأَكْمَل اللَّائِق فَلذَلِك فضل أَكثر مِنْهُ وَإِن كثرت حُرُوفه انْتهى. وَأفضل الْأَذْكَار الَّتِي لم يَخُصهَا الشَّارِع بِحَال أَو زمن الْقُرْآن وَبعده التهليل لخَبر (أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله) وَقيل التَّحْمِيد لخَبر (إنَّ لَا إِلَه إِلَّا الله بِعشْرَة وَالْحَمْد لله بِثَلَاثِينَ) وَوجه بَعضهم بِأَنَّهُ أجمع أَنْوَاع الذّكر أَي لِأَنَّهُ يُفِيد النَّص على إِثْبَات سَائِر صِفَات الْكَمَال لله تَعَالَى، وعَلى نفي سَائِر سمات النَّقْص عَنهُ، وَمَا جمع نَوْعَيْنِ أفضل مِمَّا جمع نوعا وَاحِدًا كسبحان الله وَبِحَمْدِهِ أفضل من مُجَرّد التَّسْبِيح والتحميد، وَصَحَّ فِي الحَدِيث (أحبُّ الْكَلَام إِلَى الله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ) أَي بعد لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا قَالُوهُ. وَصَحَّ أَيْضا: (أحبُّ الْكَلَام إِلَى الله سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر) فَلَا يبعد أَن جملَة هَذِه الْأَرْبَعَة أفضل من بَقِيَّة الْأَذْكَار الْمُطلقَة، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيره حصروا الْبَاقِيَات الصَّالِحَات الْمَنْصُوص فِي الْآيَات على أَنَّهَا خير عِنْد الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الْأَرْبَعَة. وَأما الاسْتِغْفَار فَإِن أُرِيد بِهِ مُجَرّد طلب الْمَغْفِرَة فَتلك الْأَذْكَار أفضل مِنْهُ وَإِن كَانَ هُوَ الاسْتِغْفَار الْمسنون المقترن بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ أفضل مِنْهُ كَذَا قَالَه بَعضهم. وَيحْتَاج لسند، وَقد يُؤَيّدهُ أَن الاسْتِغْفَار مَعَ التَّوْبَة الصَّحِيحَة قيل بِوُجُوبِهِ، وَمَا قيل بِوُجُوبِهِ أفضل مِمَّا لم يقل بِوُجُوبِهِ، وَأفْتى ذَلِك الْبَعْض أَيْضا بِأَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من الاسْتِغْفَار لِأَنَّهَا جَامِعَة بَين حق الله بامتثال أمره وَحقّ رَسُوله اصلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بعض مكافأته على مَا أوصله إِلَيْنَا مِمَّا لم يَقع مثله من نبيّ لأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم. ٦٦ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: هَل يجوز أَن يُقَال الله تَعَالَى فِي السَّمَاء، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوّاً كَبِيرا، وَمَا حكم من يَقُول ذَلِك ويستدل عَلَيْهِ بِحَدِيث السَّوْدَاء، وَمَا حكم الله فِي ذَلِك مَعَ بسط القَوْل وَالْجَوَاب لمسيس الْحَاجة إِلَيْهِ؟ فَأجَاب بقوله: هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَا قَالَ القَاضِي عِيَاض وَإِن تساهل فِي الْكَلَام فِيهَا بعض الشُّيُوخ المعتبرين هِيَ من عويصات مسَائِل التَّوْحِيد، واللائق بِالزَّمَانِ عدمُ ذكرهَا، وَإِن كَانَ وَلَا بُد فَالْحَاصِل من الْكَلَام فِيهَا أَن الْمُسلمين قاطبة أَجمعُوا على اسْتِحَالَة التجسيم، والحلول، والاستقرار على الله تَعَالَى وَحكم بذلك صَرِيح الْعقل. وَأَجْمعُوا أَيْضا على اسْتِحَالَة إِرَادَة الْحَقِيقَة فِيمَا ورد من ظواهر الْآي وَالْأَخْبَار مِمَّا يُوهم ذَلِك. وَاخْتلفُوا بعد ذَلِك فِي مَسْأَلَة مِنْهَا، وَهِي هَل يَصح إِطْلَاق جِهَة الْفَوْقِيَّة والعلوّ من غير تكييف وَلَا تَحْدِيد عَلَيْهِ تَعَالَى؟ فمذهب جَمِيع الْمُتَكَلِّمين وفحول الْعلمَاء وَأهل أصُول الديانَات إِلَى اسْتِحَالَة ذَلِك كَمَا نَص عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَاد وَغَيره من الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء، وَقَالُوا: إِن ذَلِك مُلْزم للتجسيم والحلول والتحيز والمماسَّة والمباينة والمحاذاة، وَهَذِه كلهَا حَادِثَة، وَمَا لَا يَعْرى من الْحَوَادِث أَو يفْتَقر للحوادث فَهُوَ حَادث، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْحُدُوث شرعا وعقلاً كَمَا هُوَ مُبين فِي كتب الْأُصُول. وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِيمَا ورد من ظواهر الْآيَات وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مِمَّا يُوهم ذَلِك. فَذهب بعض السّلف كالشعبي وَابْن المُسيِّب وسُفْيَان إِلَى الْوَقْف عَنْهَا، وَقَالُوا: يجب الْإِيمَان بهَا كَمَا وَردت وَلَا نتعدى إِلَى تَفْسِيرهَا. وضُعِّف هَذَا القَوْل بِمَا مر من الْإِجْمَاع على عدم إِرَادَة حَقِيقَتهَا فِي عرف اللِّسَان، فقد تكلمُوا فِيهَا بصرفها عَن ظواهرها فالسكوت عَنْهَا موهم للعوام وتنبيه للجهلة. وَذهب الْجُمْهُور على مَا نقل إِلَى الْكَلَام عَلَيْهَا وصرفها

<<  <   >  >>