ثم إن النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس - كما جاء في الحديث - وشأنُ السهمِ أن يسريَ في القلب؛ فيعملَ فيه عملَ السمِّ الذي يُسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بد.
وكذلك النظرةُ؛ فإنها تفعل في القلب ما يفعله السهمُ في الرَّميَّة، فإن لم تقتله جرحته.
والنظرةُ بمنزلة الشرارة تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقْه كلَّه أحرقت بعضه كما قيل:
كلُّ الحوادثِ مبداها من النظر ... ومعظمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها ... فتكَ السهام بلا قوسٍ ولا وتر
والمرءُ ما دام ذا عينٍ يقلبها ... في أعين الغيد موقوفٌ على الخطر
يسرُّ مُقْلَتَهُ ما ضرَّ مهجتَه ... لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهامٍ غَرضُها قلبه وهو لا يشعر، قال المتنبي:
وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ ... فَمَنِ المطالبُ والقتيلُ القاتلُ
قال ابن القيم رحمه الله:(ولما كان النظرُ أقربَ الوسائلِ إلى المحرم اقتضت الشريعةُ تحريمَه، وأباحتْه في موضع الحاجة. وهذا شأن كلِّ ما حُرِّم تحريم الوسائل؛ فإنه يباح للمصلحة الراجحة) .