ومن ثمَّ فإن تغيير المنكر المترتب على تغييره آثار فردية أو جماعية، لا يستقيم القيام به إلا من بعد مراجعة ملابساته ومساقاته، والموازنة بينه وبين آثاره، وهذا يقتضي استشارة أهل العلم والحكمة، فكثيراً ما يتوقف الطبيب عن معالجة داءٍ ما خشية ما سوف يترتب على معالجته دوائياً أو جراحياً من أدواء وآثار أفدح، إلى أن تتهيأ الظروف والملابسات لمعالجته دونما آثار ضارة، وكذلك مُغيِر المنكر يحتاج إلى الحكمة في هذا أكثر من احتياج الطبيب، فإنَّ ما يترتب على غفلة الطبيب في هذا، أقل ضرراً مما قد يترتب على غفلة المغيّر للمنكر.. ولا أحسب أن أحداً يتهم مثل ذلك الطبيب بالتقصير أو الخيانة أو الإفراط في القيام بواجبه حينئذ، بل هو بوصف الحكيم النَّطاسيِّ: أجدرُ وأحقُّ.. وكذلك ينبغي ألا يتهم العامة والدهماء، علماء الأمة حين يوصون بالصبر على ذلك المنكر، حتى تتهيّأ له الظروف ومناخات وملابسات ومساقات أفضل، يؤتي التغيير فيها ثمراً أطيب وأعظم، وهذا وجه من وجوه المعنى القرآني في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}(النحل: ١٢٥) ، وفي قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو