ومع ذلك فلا تزال كتابات كثيرٍ من المثقفين سواء من العلمانيين أو من غيرهم تتهم الفقهاء بأنهم لم يكن لهم حضور سياسي في مجتمعاتهم، وأن نشاطهم بات ينحصر في الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصعيد الخاص، وعدم التعرض لواقع الحياة إلا بطريق التورية (١).
ومن أكبر الإشكاليات في هذا النوع من الطرح أنه يستورد مناهج وأدوات بحثية، بل أطرًا ومفاهيم أجنبية لقراءة تاريخ حضارة ذات دين وثقافة مختلفين تمامًا عن سياق تلك الأدوات والمفاهيم. فمفاهيم مثل:(الفقه) و (السياسة) و (الحياة العامة) و (المشاركة) و (المجتمع) و (العلماء) و (السلاطين) في سياقنا الحضاري والثقافي لها معانيها التي تختلف عنها في سياق الحضارة والفكر الغربي الذي تستورد منه هذه الأدوات التحليلية.
وإذا ما تفهمنا وقوع مستشرقين نشأوا في السياق الغربي في أخطاء كبيرة في فهم الحضارة الإسلامية ومكوناتها، فإن من الصعب أن نتفهم وقوع باحثين عرب في مثل هذه الأخطاء، إلا أن يكونوا واقعين تحت سطوة الاستلاب الحضاري الذي لا
(١) انظر: الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية، د. عبد المجيد الصغير (٣٠٢)، القطيعة بين المثقف والفقيه، يحيى محمد (٧٧).