التي يخترعها بعض المستشرقين ثم يرددها بعض المفتونين، من الذين لا يدركون حقيقة الفرق بين الراهب النصراني والفقيه المسلم، ومن الذين تشبعت عقولهم بالتصورات الأوروبية الفاسدة لمفهوم الدين وعلاقته بالحياة.
والنظرة التي تفصل بين الفقه والسياسة ليست نظرة فاسدة في التحليل الشرعي فحسب، بل هي فاسدة في تصورها الحضاري والتاريخي والاجتماعي للدول والمجتمعات الإسلامية، فإن الفقه أكبر مكونات حضارة المسلمين وعليه تقوم، وقد علم من شواهد التاريخ الحديث أن تفكيك المؤسسات الدينية والفقهية خلال القرن التاسع عشر والعشرين أدى إلى القضاء على سلطة الشرع التي كانت تسود البلدان الإسلامية، مما أدى إلى الإخلال بالعلاقات والموازنات التاريخية التي تستند عليها حياة المسلمين ومعاشهم، ولم يعرف المسلمون في تاريخهم تسلطًا وجبروتًا سياسيًا كالذي عاينوه بعد انهيار الموازنات القديمة ونشأة الديكتاتوريات الحديثة (١).
أما عند التتبع التاريخي لمشاركة الفقهاء السياسية فإن قراءة أي مصدر من المصادر التي تختص بذكر طبقات الفقهاء وتراجمهم وأخبارهم سواء كانت من المصادر المتقدمة أو المتأخرة سوف تطلعنا على مشاركتهم في جميع المناصب السياسية بمستوياتها التنفيذية والتشريعية والقضائية حسب
(١) انظر: نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، د. وائل حلاق (٢٧٩).