للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأمثلة ذلك كثيرة جدًا لا تكاد تحصى، وكانوا يعلمون أن من يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم (١)، وأن القاعدة الاجتماعية هي بوابة الإصلاح الشامل، وطالما كان عامة الناس لهم ردءًا وسندًا فيما هم بسبيله من الإصلاح وكانوا عونًا لهم على الصدع بكلمة الحق في مشاهد الظلم والجور.

ومن شواهد هذا: أنه لما بنى الوزير عميد الدولة بن جهير (ت ٤٩٣ هـ) سور بغداد أظهر العوام في الاشتغال ببنائه المنكرات، فكتب أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي (ت ٥١٣ هـ) إليه كتابًا مطولًا جاء فيه: (ثم كيف تطالب الأجناد بتقبيل عتبة ولثم ترابها؟ وتقيم الحدّ في دهليز الحريم صباحًا ومساءً على قدح نبيذٍ مختلف فيه، ثم تمرح العوام في المسكر المجمع على تحريمه؟ هذا مضاف إلى الزنى الظاهر بباب بدر، ولبس الحرير على جميع المتعلقين والأصحاب... ثم لا تلمنا على ملازمة البيوت والاختفاء عن العوام لأنهم إن سألونا لم نقل إلا ما يقتضي الإعظام لهذه القبائح والإنكار لها والنياحة على الشريعة) (٢)، فابن عقيل هنا يكاشف الوزير بما يشبه التهديد أنه لن يغش العامة ولن يلبِّس عليهم مراعاة لأحد، بل إن لم تُجْدِ مثل هذه النصيحة فإنه لن يدخر وسعًا في


(١) روى الترمذي (٢٥٠٧) وابن ماجه (٤٠٣٢) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)).
(٢) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٣٢٧).

<<  <   >  >>