حسنة، وقد فعل الرسول مثل ذلك أكثر من مرة، فلما أراد إنفاد كتبه إلى الملوك والأمراء والرؤساء قيل له: إن من عادة الملوك ألاَّ يقبلوا كتاباً إلا إذا كان مختوماً باسم مرسله، فأمر على الفور بنقش خاتم له كتب عليه: محمد رسول الله، وصار يختم به كتبه، ولما جاءته الوفود من أنحاء العرب بعد فتح مكة تعلن إسلامها، قيل له: يا رسول الله إن من عادة الملوك والرؤساء أن يستقبلوا الوفود بثياب جميلة فخمة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى له حلة، قيل: إن ثمنها بلغ أربعمائة درهم، وقيل: أربعمائة بعير، وغدا يستقبل بها الوفود، وهذا هو صنيع الرسول الذي أرسل بآخر الأديان وأبقاها إلى أبد الدهر، فان مما تحتمه مصلحة أتباعه في كل زمان وفي كل بيئة أن يأخذوا بأحسن ما عند الأمم الأخرى، مما يفيدهم، ولا يتعارض مع أحكام شريعتهم وقواعدها العامة، والامتناع عن ذلك جمود لا تقبله طبيعة الاسلام الذي يقول في دستوره الخالد: ?فبشر عبادِ، الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه? [الزمر: ١٧ و ١٨] ولا طبيعة رسوله الذي رأينا أمثلة عما أخذ من الأمم الأخرى، وهو القائل:"الحكمة ضالة المؤمن يتلمسها أنَّى وجدها" ويوم غفل المسلمون في العصور الأخيرة، وخاصة بعد عصر النهضة الاوروبية عن هذا المبدأ العظيم في الاسلام، وقاوموا كل إصلاح مأخوذ عن غيرهم مما هم في أشد الحاجة اليه، أصيبوا بالانهيار، وتأخروا من حيث تقدم غيرهم ?ولله عاقبة الأمور? [الحج: ٤١].