وفي انضمام بعض القبائل العربية إلى الروم ضد المسلمين، دليل على أنهم كانوا بعيدين عن فهم الاسلام ورسالته التحريرية للناس عامة وللعرب خاصة، ولو كانوا يعلمون ذلك لأبوا أن يكونوا أعواناً للروم على أبناء قومهم من العرب المسلمين.
ثانياً- لقد كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للتأهب في وقت عسر وحر وموسم لجني الثمار، فأما المؤمنون الصادقون، فقد سارعوا إلى تلبيتهم للرسول غير عابئين بمشقة ولا حرمان، وأما المنافقون، فقد تخلفوا، وأخذوا يعتذرون بشتى الأعذار، وهكذا يتبين المخلصون من المنافقين في أيام الشدائد، وينكشف أمر الأدعياء في أيام المحن، وقد قال الله تعالى: ?الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين? [العنكبوت: ١ - ٣].
وإنما تقوم الدعوات، وتنهض الأمم بتطهير صفوفها من المنافقين والمخادعين، ولا يثبت للشدة إلا كل صادق العزيمة، مخلص النية، ثابت المبدأ، وكثيراً ما عوق الضعاف والمخادعون سير دعوات الاصلاح في الأمة، وحالوا بينها وبين النصر، أو أخروها ولو إلى حين، ولقد تخلص جيش العسرة في غزوة تبوك من أمثال هؤلاء بفضل افتضاح أمرهم، وانكشاف ضعف إيمانهم، وخور عزائمهم، وإن جيشاً متراص الصف، متحد الكلمة، قوي الإيمان، صادق العهد، أجدى للأمة - ولو كان قليل العدد - وأدعى لاكتساب النصر من جيش