أما بعد أيها الناس فان لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تهجروهنَّ في المضاجع وتضربوهنَّ ضرباً غير مبرح، فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فانهن عندكم عوان، لا يملكن لانفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله.
فاعقلوا أيها الناس قولي، فاني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه، أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟ ".
إن أول ما يلفت النظر في حجة الوداع هذا الجمهور الضخم الذين حضروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مختلف أنحاء الجزيرة العربية، مؤمنين به، مصدقين برسالته، مطيعين لأمره، وقد كانوا جميعاً قبل ثلاثة وعشرين سنة فحسب على الوثنية والشرك، ينكرون مبادئ رسالته، ويعجبون من دعوته الى التوحيد، وينفرون من تنديده بآبائهم الوثنيين، وتسفيهه لاحلامهم، بل كان كثير منهم قد ناصبوه العداء، وتربصوا به الشر، وبيتوا على قتله، وألبّوا عليه الجموع، وجالدوه بالسيوف والرماح، فكيف تم هذا الانقلاب العجيب في مثل هذه المدة القصيرة، وكيف استطاع صلى الله عليه وسلم أن يحول هذه الجموع