وصحابته آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون شيئا، فأمر الناس أن يتجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين، لا يريد حربا لقريش ولا قتالا، فخرج معه المهاجرون والأنصار يحدوهم الشوق إلى رؤية بيت الله الحرام بعد أن حرموا من ذلك ست سنوات، وخرج معهم من شاء من الأعراب، وساق أمامه صلى الله عليه وسلم وهو ما يساق إلى البيت الحرام من الإبل والنعم تعظيما للبيت وتكريما، وأحرم بالعمرة من مكان يسمى بذي الحليفة، ليعلم الناس وقريش خاصة أنه لا يريد قتالا، وكان عدد من خرج معه نحوا من ألف وخمسمائة، ولم يخرجوا معهم بسلاح إلا سلاح المسافر في تلك العهود: السيوف في أغمادها، وسار حتى وصل إلى «عسفان» جاء من يقول له: هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا وقد لبسوا جلود النمور يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب! ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني، كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة».
فلما وصل الحديبية - وهي مكان قريب من مكة بينها وبين طريق جدة الآن- جاءه بعض رجال من خزاعة يسألونه عن سبب قدومه، فأخبرهم أنه لم يأت إلا ليزور البيت ويعتمر، فرجعوا وقالوا لهم: إنكم تعجلون على محمد، لم يأت لقتال، إنما جاء زائرا لهذا البيت.