ولما شق عليهم من شروط الصلح فبادر عليه السلام بنفسه، فتحلل من العمرة، فتبعه المسلمون جميعا، وقد ظهرت فيما بعد فوائد هذه الشروط التي صعبت على المسلمين ورضي بها الرسول، لبعد نظره ورجحان عقله، وإمداد الوحي له بالسداد في الرأي والعمل.
هذا وقد سمى الله هذه الغزوة فتحا مبينا، حيث قال:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}[الفتح: ١ - ٣] ثم تحدث عن مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح: ١٠] ورضي عن أصحاب بيعة الرضوان تحت الشجرة فقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح: ١٨] وتحدث عن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت سببا في غزوة الحديبية، فقال:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح: ٢٧] ولعل هذه إشارة إلى فتح مكة الذي كان ثمرة من ثمار صلح الحديبية، كما سنذكره في الدروس والعظات إن شاء الله، ثم أتبع ذلك بتأكيد غلبة هذا الدين وانتصاره، فقال: