بجيش من عنده، كما أنزل الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح يوم الأحزاب. ومادام هؤلاء المؤمنون يحاربون في سبيله، فكيف يتخلى عنهم وهو الذي قال:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:٤٧] وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨].
٧ - إن من طبيعة الداعية الصادق أن يحرص على هداية أعدائه، وأن يفسح لهم المجال لعل الله يلقي في قلوبهم الهداية، ومن هنا نفهم ميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فداء الأسرى يوم بدر، فقد كان يرجو أن يهديهم الله وأن تكون لهم ذرية من بعدهم تعبد الله وتدعو إليه، وإذا كان القرآن الكريم قد عاتب الرسول على ذلك، فلأن هناك مصلحة أخرى للإسلام يومئذ، وهو إرهاب اعداء الله والقضاء على رؤوس الفتنة والضلالة، ولو قتل الأسرى يوم بدر لضعفت مقاومة قريش للقضاء على زعمائهل ومؤججي نار الفتنة ضد المؤمنين.
ويلوح لي سر آخر في قبول الرسول أمر الفداء، وهو أن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان من بين الأسرى، وللعباس مواقف في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إعلان إسلامه، فقد شهد معه بيعة العقبة الثانية سرا، وكان يخبر الرسول عن كل تحركات قريش، مما يؤكد عندي أنه كان مسلما يكتم إسلامه، فكيف يقتله الرسول وهذا شأنه معه؟ ولو استثناه الرسول من بين الأسرى لخالف شرعته في تحريم قتل المسلم إن كان العباس مسلما، وإن كان مشركا فشريعته لا تفرق بين قريب وبعيد في الوقوف موقف الحزم والعداء من كل من يحارب الله ورسوله، ولاغتنمها المشركون والمنافقون فرصة للتشهير به، ولإضعاف الثقة