وفصل النزاع في هذه المسألة ما ثبت في الحديث المتفق على صحته من أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فإن الحديث صريح في أن الحق واحد وأن بعض المجتهدين يوافقه فيقال له مصيب مأجور أجرين على اجتهاده وإصابته، وبعض المجتهدين يخالفه فيقال له مخطئ مأجور مرة واحدة على اجتهاده، واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيباً فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المجتهدين قسمين قسما مصيباً وقسماً مخطئاً، ولو كان كل منهم مصيباَ- كما ذهب إليه من ذهب- لم يكن لهذا التقسيم معنى.
تجزؤ الاجتهاد
الاجتهاد يقبلِ التجزؤ والانقسام على الصحيح فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلداَ في غيره كمن استفرغ وسعه في علم الفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيره من العلوم فيجوز له أن يفتى في النوع الذي اجتهد فيه لأنه قد عرف الحق بدليله وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع، ولا يجوز له الإِفتاء فيما لم يجتهد فيه فإن القاصر في فن كالعامي فيه.
اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم جائز وواقع ومن أمثلة وقوعه: إذنه صلى الله عليه وسلم للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وأسره لأسارى بدر وأخذ الفداء منهم، وأمره بترك تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى"، وإرادته صلى الله عليه وسلم النزول دون ماء بدر حتى قال له الحباب بن المنذر رضي الله عنه: إن كان هذا بوحي فنعم. وإن كان الرأي والمكيدة فأنزل بالناس على الماء لتحول بينه وبين العدو. فقال صلى الله عليه وسلم:"ليس بوحي إنما هو رأى رأيته "، فرجع إلى قول الحباب رضي الله عنه.