للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذلك يسع الشاعر أن يصف لك الحركات المتعاقبة في الزمن، وأن يحرضها إلى ذهنك، ويمثلها لخاطرك، وذلك ما لا سبيل إليه في التصوير١".

فالشاعر لا ينقل للقارئ تأثير المنظر في النفس، فيقع على أثره من غير عناء، ولكنه يدع فيه إحساسه ويترك صورة تثير هذا الإحساس عند القارئ، وهو معنى قوله: "أن يفضي إليك بوقع هذا المنظر".

ويوضح هذا أكثر عندما يعرض صورة الربيع عند البحتري التي مطلعها:-

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما

فيقول وهو ينفي هذا المعنى عن المصور بالرسم ويثبته للشاعر: "غير أن المصور لا يسعه أن يضمن المنظر إحساسه هو إليك كيف كان وقعه في نفسه كما يستطيع أن يفعل؛ لأن الشعر بطبيعته مجال العاطفة" وبذكر أبيات البحتري التي سبق مطلعها، ويقرر ما سبق بقوله: "فلم يحاول "أي الشاعر" أن يرسم لك صورة، وإنما أفضى إليك بما أثاره الربيع من المعاني في نفسه، وبما حركه من طلب الانشراح في عيد الطبيعة"٢.

ولكي يحدد اتجاهه في فهم الصورة الأدبية، فإنه يوازن بين صورتين لتكونا كالدليل على ما اتجه إليه فيذكر بيت النواسي في وصف جمال المرأة:

فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسرا إليه أعنة الحدق٣


١ حصاد الهشيم: المازني ص١١٨.
٢ المرجع السابق ص١٣٤، ١٣٥.
٣ ديوان أبي نواس.

<<  <   >  >>