للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أ- الخيال في الصورة:

وحين أتناول الخيال عند أي ناقد، لن أذكره بالتفصيل والعمق الذي تقتضيه طبيعته، فليس هذا بحثًا مستقلًا فيه، ولكني أتناوله هنا في مجال المفهوم الصورة الشعرية، ومنزلة الخيال منها ودرجته فيها، وحقيقته ومعناه.

والعقاد من رواد الفكر في العصر الحديث، يثور -في خيال الصورة- على حماقة الوصف المحسوس، الذي هو أشبه بالطبل والطنين، ولا يخرج جمال الخيال فيه عن رسم الحركة الظاهرة التي لا صلة لها بالشعور، ولا يعرف غيرهما الأقدمون، وأدوها أجمل أداء كما في قول ابن حمديس الشاعر العربي:

أسد تخال سكونها متحركًا ... في النفس لو وجدت هناك منيرًا١

ويسمي العقاد الوصف المحسوس الذي لا يعدو الظاهر بالبهرج، وهو نقيض النشوة الروحية الممتزجة بالمحسوسات، وسمات الخيال العقيم البهرج. ومخاطبة الوظائف ودلائل الخيال الجميل هي الطلاقة ومخاطبة الملكات الروحية، والفرق بينهما هو الفرق بين قول أحد الشعراء البديعيين:

إذا ملك لم يكن ذا هبه ... فدعه فدولته ذاهبه

وقول أحد الشعراء المصورين مثل قول ابن الرومي:

أخاف على نفسي وأرجو مفازها ... وأستار غيب الله دون العواقب

ألا من يريني غايتي قبل مذهبي ... ومن أين والغايات قبل المذاهب٢

فالألفاظ في البيت تحجب المعنى فهي "وهج في النظر، وقرقعة في الأذن، ولذع في الحس وتهييج في الشعور"، فقائلها مزور مبهرج لا حظ له من البلاغة.


١ يسألونك: العقاد ٤٣ط، القاهرة ١٩٤٧.
٢ الديوان المخطوط ورقة ٥٨، ج١.

<<  <   >  >>