للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والجمال، والألفاظ عند ابن الرومي، تجوز بالناظر إلى معناه من غير توقف ولا انتباه فهي تريك المعنى، ولا تريك نفسها فالتصوير هنا لا يستوقف الحسن، ولا يعطل التفكير والخيال، ولكنه يطلق النفس في هوادة ورفق، ويسلس في الطبع شعور السماحة والاسترسال١.

لأن التصوير عنده ومقياس الإحساس فيه، إنما هو من عمل النفس المركبة، من خيال وتصور وشعور، وليس كالساعة الجامدة المركبة من حديد ونحاس٢، فالشعر عند العقاد يعني بوصف الحركات النفسية، لا بوصف المشاهد المحسوسة، والشاعر حين يصف جمال المرأة، إنما يصف أثرها في النفس، ولا يشغل شعره بتصوير المحسوسات إلا إذا فاضت عن عواطفه ومشاعره٣. فملكة النثر غير ملكة الشعر، غير ملكة الوصف، وليست بشيء واحد، كما يفهم كثير من القراء فمن وصف وشبه، ولم يشعر. فليس بشاعر. ومن شعر وأبلغك ما في نفسه بغير وصف مشبه فلا حاجة به إذن إلى سرد الصفات لتتم له ملكة الشاعرية٤.

ويؤكد العقاد كلامه بأن الصناعة اللفظية والتصنع في الوصف أمات الشعور في الصورة وأضعف الخيال وجهل الشعر، ونقده كنه الصورة الشعرية، التي تنبني عليها حياة الشعر، وجماله ونضارته، ولا قيمة عنده في الصورة للمعاني اللطيفة فيها، والنظم الرائق ولا التوليد البكر، ما لم يكن ممزوجًا بالنفس مفعمًا بالإحساس، تنبض بالمشاعر القوية، وتفور بالعواطف الجياشة؛ لأن


١ المرجع السابق: ٣٠٩، ساعات بين الكتب: العقاد.
٢ المرجع السابق: ٤١١.
٣ ابن الرومي: العقاد ٣١٥.
٤ المرجع السابق ٣١٤.

<<  <   >  >>