الثياب، ثم أمر أن يبخر من كان بين يديه، فأحضرت عتيدة حسنة سرية فيها طيب كثير، وأخذ الغلمان يبخرون بها الناس، فلما انتهوا إلي، قلت: يا سيدي، وأنا أرضى بأن أتبخر حسب؟ فقال: ما تريد؟ قلت: أريد نصيبي من العتيدة.
قَالَ: قد وهبتها لك.
فأخذتها وشرب بعد ذلك رطلا آخر، واتكأ على مسورته، وكذا كانت عادته إذا سكر.
فقام الناس من مجلسه، وقمت وقد طلع الفجر وأضاء، وهو وقت يبكر الناس في حوائجهم، فخرجت كأني لص قد خرج من بيت قوم، على قفا غلامي الثياب والعتيدة كارة، فصرت إلى منزلي، ونمت نومة، ثم ركبت إلى درب عون أريد الصيرفي حتى لقيته في دكانه، فأوصلت الرقعة إليه، فقال: يا سيدي، أنت الرجل المسمى في التوقيع قلت: نعم.
قَالَ: أنت تعلم أن أمثالنا يعاملون للفائدة.
قلت: أجل.
قَالَ: ورسمنا أن نعطى في مثل هذا ما يخسر فيه، في كل دينار درهم، فقلت له: لست أضايقك في هذا.
فقال: ما قلت هذا لأربح عليك، ولكن أيما أحب إليك، تأخذ مثلما يأخذ الناس وهو ما عرفتك، أو تجلس مكانك إلى الظهر حتى أفرغ من شغلي، ثم تركب معي إلى داري، فتقيم عندي اليوم والليلة نشرب؟ فقد واللَّه سمعت بك، وكنت أتمنى أن أسمعك، ووقعت الآن إلي رخيصا، فإذا فعلت هذا دفعت إليك الدنانير بما تساوي من غير خسران؟