والذهب والترف حتى بلغ التاسعة والعشرين حيث تغير
مجرى حياته، فقد رأى ذات مرة مريضاً وذات مرة ميتا،
وأخرى شيخاً فانياً فتأثر بما رأى، وساوره شعور لا يخلو
من التجديف.
وذات ليلة قرر أن يبحث عن الحقيقة فغادر القصر
مودِّعاً زوجه وولده، وعاش بين النساك حتى صار من
أئمتهم، ودرس أسفار الفيدا واليوبانيشاد، وغرق في
النسك والقشَف والتأمل، وانتهى إلى أعلى المراتب بين
النساك حتى صار مرشدهم، ودرس البراهمية وأطلع على
أسرارها، ولكنه لم يجد بها ما يرجو، ولم تبح له بسرِّ
الوجود والحياة، فانصرف إلى غارٍ بالبنغال، وقسا على
نفسه أشد القسوة، وتقلب في أشد ضروب الزهد والحرمان
وإذلال الجسد وإرهاق النفس، وتبعه خمسة من النساك
جعلوه إمامهم، وقضوا ست سنوات أشرفوا في نهايتها على
التلف وكادوا يهلكون.
وذاع صيت بوذا في الآفاق وهو على حاله حتى انتهى
به تعذيب الجسد وإرهاق النفس إلى حد السكون التام، لا
يتحرك، فكانت الطيور تقف عليه آمنة وكأنها تقف على
عود ثابت، بل كانت الوحوش تتحرك خلفه مطمئنة لا
تقربه بسوء، وعاش على ذلك ست سنوات دراكاً ومعه