وَقَالَ قَتَادَةُ: تَمَنَّى الْمَوْتَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فِي الدُّنْيَا أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِنْهُ، {مَآ
أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أَيْ لَمْ يَدْفَعْ عَنِّي مَالِي وَلَا جَاهِي عَذَابَ اللَّهِ وَبَأْسَهُ، بَلْ خَلُصَ الْأَمْرُ إِلَيَّ وَحْدِي، فَلَا مُعِينَ لِي وَلَا مُجِيرَ فَعِنْدَهَا يَقُولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أَيْ يَأْمُرُ الزَّبَانِيَةَ أَنْ تَأْخُذَهُ عُنْفًا مِنَ الْمَحْشَرِ فَتَغُلُّهُ، أَيْ تَضَعُ الْأَغْلَالَ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ تُورِدُهُ إِلَى جَهَنَّمَ فَتُصِلِيهِ إِيَّاهَا، أَيْ تغمره فيها. عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِذَا قَالَ الله تعالى: خُذُوهُ، ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِنَّ الْمَلَكَ مِنْهُمْ لَيَقُولُ: هَكَذَا، فَيُلْقِي سَبْعِينَ أَلْفًا فِي النار (رواه ابن أبي حاتم)، وقال الفضيل بن عِيَاضٍ إِذَا قَالَ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ أَيُّهُمْ يَجْعَلُ الْغُلَّ فِي عُنُقِهِ، {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أَيِ أغمروه فيها، وقوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارُ: كُلُّ حَلْقَةٍ مِنْهَا قَدْرُ حديد الدنيا، وقال ابن عباس: بذراع الملك، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُسْلَكُ فِي دُبُرِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَنْخِرَيْهِ حَتَّى لَا يقوم على رجليه، روى الإمام أحمد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أن رضاضة مثل هذه - وأشار إلى جُمْجُمَةٍ - أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ قعرها أو أصلها» (أخرجه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن). وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أَيْ لَا يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَا يَنْفَعُ خَلْقَهُ وَيُؤَدِّي حَقَّهُمْ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلِلْعِبَادِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَقُّ الْإِحْسَانِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَقُبِضَ النَّبَيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم»، وقوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ اليوم ههنا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ * لايأكله إِلَاّ الْخَاطِئُونَ} أَيْ لَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ مَنْ ينقذه من عذاب الله تعالى، لَا {حَمِيمٌ} وَهُوَ الْقَرِيبُ، وَلَا {شَفِيعٍ} يُطَاعُ، ولا طعام له ههنا {إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ} قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ شَرُّ طعام أهل النار، وقال الضحّاك: هو شجرة في جهنم، وقال ابن عباس: مَا أَدْرِي مَا الْغِسْلِينُ؟ وَلَكِنِّي أَظُنُّهُ الزَّقُّومَ (أخرجه ابن أبي حاتم)، وقال عكرمة عنه: الغسلين: الدم والماء يسيل من لحومهم، وعنه الْغِسْلِينُ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute