وقوله تَعَالَى: {فَإِن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يوجد اليسر،
ثم أكد هذا الخبر، بقوله: {إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً}، قال الحسن: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَغْلِبُ عُسْرٌ وَاحِدٌ يُسْرَيْنِ اثنين، وعن قَتَادَةُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فقال: «لن يغلب عسر يسرين» (رواه ابن جرير)، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْعُسْرَ مُعَرَّفٌ فِي الْحَالَيْنِ، فَهُوَ مُفْرَدٌ، وَالْيُسْرُ مُنَكَّرٌ، فَتَعَدَّدَ، وَلِهَذَا قَالَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» يَعْنِي قَوْلَهُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فالعسر الاول عين الثاني، واليسر تعدّد، ومما يروى عن الشافعي أَنَّهُ قَالَ:
صَبْرًا جَمِيلًا مَا أَقْرَبَ الْفَرَجَا * مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي الْأُمُورِ نَجَا
مَنْ صَدَقَ اللَّهَ لَمْ يَنَلْهُ أَذًى * وَمَنْ رَجَاهُ يكون حيث رجا
وقال الشاعر:
وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى * ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ
كَمُلَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا * فرجت وكان يظنها لا تفرج
وقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أُمور الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا، وَقَطَعْتَ علائقها فانصب إلى الْعِبَادَةِ، وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ، وَأَخْلِصْ لربك النية والرغبة، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَقُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ لربك. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فانصب في قيام الليل، وفي رواية عنه {فانصب} بَعْدَ فَرَاغِكَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ جَالِسٌ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يَعْنِي فِي الدعاء، وقال الضحّاك {فَإِذَا فَرَغْتَ} أَيْ مِنَ الْجِهَادِ {فَانْصَبْ} أَيْ فِي الْعِبَادَةِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ الثَّوْرِيُّ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute