للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من ذنوبه كما أن الذهب يخرج من الكير» (رواه أبو داود والطيالسي)

(حديث آخر): قال سعد بن منصور عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ فِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا وَالنَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا» وَهَكَذَا رَوَاهُ أحمد وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بَكَيْنَا وَحَزِنَّا وَقُلْنَا يَا رسول الله: ما أبقت هذه الأمة مِنْ شَيْءٍ قَالَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنها لكما أنزلت وَلَكِنْ أَبْشِرُوا وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلا كفر الله بِهَا مِن خَطِيئَتَهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا أَحَدُكُمْ فِي قَدَمِهِ»

(حديث آخر): روى ابن مردويه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قَالَ: «نَعَمْ وَمَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً يُجْزَ بِهَا عَشْرًا» فهلك من غلب واحدته عشراته. وقال ابن جرير عَنِ الْحَسَنِ {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قَالَ: الْكَافِرُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَاّ الكفور}، وَقَوْلُهُ {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: إِلَّا أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَاللَّهُ أعلم.

وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الْآيَةَ، لما ذكر الجزاء على السيئات ولأنه لَا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَ مُسْتَحَقَّهَا مِنَ الْعَبْدِ أما في الدنيا وهو أجود لَهُ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالصَّفْحَ وَالْعَفْوَ وَالْمُسَامَحَةَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ إِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ ورحمته في قبول الأعمال الصلاحة مِنْ عِبَادِهِ، ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ وَلَا يَظْلِمُهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَلَا مِقْدَارَ النَّقِيرِ، وَهُوَ النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ نَوَاةِ التَّمْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْفَتِيلِ، وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ، وَهَذَا النقير وهما في نواة التمرة والقطمير وهو اللفاقة التي على نوات التمرة، والثلاثة في القرآن. ثم قال تعالى: {وم أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أسلم وجهه لله}؟ ايأخلص الْعَمَلَ لِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ فَعَمِلَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أَيِ اتَّبَعَ فِي عَمَلِهِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ وَمَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَهَذَانَ الشَّرْطَانِ لَا يَصِحُّ عَمَلُ عَامِلٍ بِدُونِهِمَا أَيْ يَكُونُ (خَالِصًا صواباً) والخالص أن يكون له، والصواب أن يكون متابعاً للشرعة فَيَصِحُّ ظَاهِرُهُ بِالْمُتَابَعَةِ، وَبَاطِنُهُ بِالْإِخْلَاصِ فَمَتَى فَقَدَ الْعَمَلُ أَحَدَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَسَدَ، فَمَنْ فَقَدَ الْإِخْلَاصَ كَانَ مُنَافِقًا وَهُمُ الَّذِينَ يُرَاؤُونَ النَّاسَ، وَمَنْ فَقَدَ الْمُتَابَعَةَ كَانَ ضَالًّا جَاهِلًا وَمَتَى جمعهما كان عمل المؤمنين {الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَتَجَاوَزُ عن سيئاتهم}، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} وَهُمْ مُحَمَّدٌ وَأَتْبَاعُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي} الآية. وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وَالْحَنِيفُ هُوَ الْمَائِلُ عَنِ الشِّرْكِ قَصْدًا أَيْ تَارِكًا لَهُ عَنْ بَصِيرَةٍ وَمُقْبِلٌ عَلَى الْحَقِّ بِكُلِّيَّتِهِ لَا يَصُدُّهُ عَنْهُ صَادٌّ، وَلَا يَرُدُّهُ عنه راد.

وقوله تعالى: {واتخذ الله إبراهم خَلِيلاً} وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّرْغِيبِ فِي اتِّبَاعِهِ، لِأَنَّهُ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ حَيْثُ وَصَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>