للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} قال: الخادم والمرأة والبيت وعنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لَهُ الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالدَّارُ سُمِّيَ مَلِكًا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وسأله رجل فقال: أسلنا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ. فَقَالَ: إِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَلِ الْمُلْكُ إلاّ مركب وخادم ودار، ورواه ابن جرير. وقال السدي قي قَوْلِهِ {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} قَالَ: يُمْلِكُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ نفسه وماله وأهله، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قوت يومه، فكأنهما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (لفظ الحديث عند الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن: «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنهما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

وقوله تعالى: {وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ} يعني عالمي زمانكم، فإنهم كَانُوا أَشْرَفَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ مِنَ الْيُونَانِ وَالْقِبْطِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ كَمَا قَالَ: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين} وقال تعالى أخبارا عن موسى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فضَّلكم على العالمين} والمقصود أنهم كانوا أفضل أمم زَمَانِهِمْ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْرَفُ مِنْهُمْ، وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَكْمَلُ شَرِيعَةً، وَأَقْوَمُ مِنْهَاجًا، وَأَكْرَمُ نبياً، وأعظم ملوكاً، وَأَغْزَرُ أَرْزَاقًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، وَأَوْسَعُ مَمْلَكَةً وأدوم عزاً. قال الله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس}. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْمُتَوَاتِرَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَشَرَفِهَا وَكَرَمِهَا عِنْدَ اللَّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس}، وَقِيلَ: الْمُرَادُ {وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} يَعْنِي بِذَلِكَ مَا كَانَ تَعَالَى نزله عليهم من المن والسلوى، يظللهم به مِنَ الْغَمَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَعَالَى يَخُصُّهُمْ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَحْرِيضِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْجِهَادِ، وَالدُّخُولِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِمْ فِي زمان يَعْقُوبَ، لَمَّا ارْتَحَلَ هُوَ وَبَنُوهُ وَأَهْلُهُ إِلَى بِلَادِ مِصْرَ أَيَّامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بِهَا، حَتَّى خَرَجُوا مَعَ مُوسَى، فَوَجَدُوا فِيهَا قَوْمًا مِنَ الْعَمَالِقَةِ الْجَبَّارِينَ قَدِ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا وَتَمَلَّكُوهَا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا، وَبِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وَبَشَّرَهُمْ بالنصر والظفر عليهم، فنكلوا بالذهاب وعصوا وخالفوا أمره، فعوقبوا فِي التِّيهِ، وَالتَّمَادِي فِي سَيْرِهِمْ حَائِرِينَ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَتَوَجَّهُونَ فِيهِ إِلَى مَقْصِدٍ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، عُقُوبَةٌ لَهُمْ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ موسى أنه قال: {يا قوم ادخلو الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} أي المطهرة. عن ابن عباس قَالَ: هِيَ الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ، وَكَذَا قَالَ مجاهد وغير واحد (المراد بالأرض المقدسة: ببيت المقدس وما حوله، ويقال لها: إيليا، وتفسيرها: بيت الله. ويعني بالجبارين: قوماً كانوا فيها من العماليق وهم بنو عملاق بن لاوذ)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أَيِ الَّتِي وَعَدَكُمُوهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ أَبِيكُمْ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ وِرَاثَةُ مَنْ آمَنَ مِنْكُمْ، {وَلَا تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} أي تَنْكِلُوا عَنِ الْجِهَادِ {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} أَيِ اعْتَذَرُوا بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّتِي أَمَرْتَنَا بِدُخُولِهَا وَقِتَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>